امتدادًا لمقالات سابقة حول أهمية عقيدة وحدة الوجود في فهم واستيعاب آليات التفكير في الثقافة الغربية ومدى ارتباطها بالتراث اليوناني ومعتقداته الدينية، نقدم اليوم رواية (الخيميائي) للروائي البرازيلي باولو كويلو. أحد أكثر الروايات مبيعًا حول العالم. ونالت شهرة واسعة لما تتضمنه من أفكار عميقة نستطيع أن نؤكد، كما يظهر في الرواية، تأثر كويلو بأفكار وحدة الوجود. تتميز رواية الخيميائي كما هو معروف عالميًا بأبعادها الفلسفية الدينية، فهي رواية يمكن أن يطلق عليها (رواية فلسفية). وحين يوصف عمل أدبي بأنه (فلسفي) فأول ما يتبادر للذهن: ما علاقة هذا العمل الأدبي بعقيدة وحدة الوجود؟

في رواية الخيميائي ترجمة لمياء منذر، في الحوار بين بطل الرواية سنتياجو والرجل العجوز صاحب الحكمة والبصيرة. يقول الرجل العجوز: «إن كل الأشياء ليست سوى شيء واحد، وعندما تريد شيئًا ما، فإن العالم بأسره يتظافر ليتيح لك تحقيق ما ترغب به». هذا الحوار البسيط بين سنتياجو والرجل العجوز في الأجزاء الأولى من الكتاب، تبشرنا بأننا أمام عمل فلسفي بامتياز. فحديث الرجل العجوز يبدو من الوهلة الأولى أنه يدور حول «وحدة الوجود» وهذه العقيدة الدينية حتى وقت قريب، وكما ذكرنا بشكل متكرر بأنها وجهة النظر الدينية لغالب الفلاسفة البارزين في اليونان وأوروبا. في الاقتباس المطروح آنفا، وكما يتضح في صفحات الكتاب اللاحقة أن الكاتب يحاول أن يقدم وحدة الوجود في قالب أدبي ويصور الطبيعة بأنها إلهية وأننا نحن البشر جزء من الكل الواحد المترابط.

في أحداث الرواية، قدم كويلو فكرة (روح العالم)، وكيف أن جميع الكائنات الحية وغير الحية لها روح وترابط وجودي، أي أن جميع العناصر في الطبيعة هي في الأساس أشكال متنوعة لروح واحدة، والحياة والكون والطبيعة ومن يعيش فيها يشكلون ضربًا من ضروب الوحدة الروحية. وبسبب هذا الاعتقاد على وجه التحديد ينكر المؤمنون بوحدة الوجود وجود إله منزه عن مخلوقاته أي إله منفصل خلق العالم من العدم. ومن المهم تحليل الجوانب الروحية في أعمال كويلو لأنها تشكل جزءًا رئيسًا في الرواية الأكثر مبيعا حول العالم، علاوة على ذلك فإن بعض القيم التي يتضمنها العمل تتعارض مع معتقدات كويلو الكاثوليكية. هذا التعارض المثير للجدل بين العقيدة الكاثوليكية وعقيدة وحدة الوجود لم يقتصر على الرواية أو على شخصيات منفردة لا يمكن التعميم عليها. ولكنه في الحقيقة تعارض تاريخي وقديم ومن خلاله يمكن التعرف على الصورة الكاملة لطبيعة الصراع التاريخي بين رجال الكنيسة والفلاسفة في التراث الأوروبي أو الفقهاء والفلاسفة في التراث الإسلامي.

انتشرت رواية الخيميائي في الأوساط الأدبية في العالم العربي بشكل واسع ولكن قليلًا من القراء قرأها وفق سياقاتها الدينية أو أدرك العلاقة بين الرواية وعقيدة وحدة الوجود. فنحن غالبًا نقرأ الفلسفة والأدب الفلسفي بصورة منقوصة لأن فكرة «وحدة الوجود» لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل والتأصيل العلمي، كونها فكرة محورية ومؤثرة في وجدان الشعوب الغربية وموروثاتها الدينية والثقافية. وبالتالي فإن قراءتنا للتاريخ والفكر الغربيين لم ترتق للمستوى المطلوب من التأصيل للمنظومة الفكرية في التراثين اليوناني والأوروبي.