مع استقبالنا للعام الميلادي الجديد، تبدأ العديد من الجهات، وتحديدًا الشركات، في وضع خططها المتعلقة بإطار المسؤولية الاجتماعية، وهو الإطار الغائب الحاضر في كثير من الحالات، حيث تشكل المسؤولية الاجتماعية تغذية راجعة للمواطن، بعد أن حظيت هذه الشركات والجهات بدعم الدولة السخي، ما يرتب عليها واجب أن تعطي مثلما أخذت، وأن تدعم احتياجات المواطن بالمشروعات التي تخدمه وتزيل عنه كثيرًا من العنت في مختلف المجالات.

ولأن الإدراك العميق، كما يبدو، ما زال في ركن قصي تجاه المسؤولية الاجتماعية بأهدافها ومراميها، فإن تفاعل الكثير من الشركات ما زال يقتصر على دفع مبالغ تحت عنوان هذه المسؤولية، لكن وبكل أسف، يتم إهدار هذه المبالغ في برامج ليس لها أي أثر في المجتمع، ولا تحقق الهدف المرجو.

إن كل مبلغ يرصد في مجال المسؤولية الاجتماعية، يجب أن يصب في برامج حقيقية تلامس احتياجات الإنسان وترتقي بمستوى حياته، فالأمر هنا لا يتعلق بالتخلص من فوائض مالية يتم رصدها ويتوجب صرفها، لكنه واجب يجب أن تظهر ثماره في ملامسة الواقع المحيط، والتفاعل معه، وتوجيه الصرف إلى المكان الدقيق المأمول، بما يؤكد إحساس الامتنان والانتماء. فالوطن وإنسانه يشكلان خلية واحدة، لكل فرد فيها أدوار يجب أن يؤديها، لتظل منظومة الخلية في نشاطها وعطائها وازدهارها.

التجربة التي نعيشها ونحن نراقب الإسهامات المجتمعية للشركات والكيانات، تشير إلى ضعف ينتابها في إطار دورها المأمول تجاه المسؤولية الاجتماعية، حيث تذهب جهودها هباءً، وهذا يحدث بتكاتف عنصرين يسهمان معًا في ضعف المردود المأمول، يتمثل العنصر الأول في وجود أشخاص من غير المختصين في مواقع التحديد والتخطيط والتنفيذ لبرامج المسؤولية الاجتماعية، حيث يتدنى فهمهم للأهداف العميقة المتعلقة بالمسؤولية الاجتماعية، فينعكس ذلك ضعفًا وتوجهًا لا يصب في بوتقة الأهداف المرتجاة، أما العنصر الآخر فهو أن هذه البرامج التي تعدها الشركات لا توضع بشكل ممنهج يلبي تطلعات المنشأة، فيبدو الأمر برمته وكأنه عمل ثقيل على النفس يجب التخلص منه بأي شكل من الأشكال.

ولحسن الحظ، فإن الصور السالبة ليست وحدها هي السائدة بالكامل، فهناك نماذج مضيئة موجودة وتسجل حضورها الإيجابي المؤثر في إطار المسؤولية الاجتماعية، ومن تلك النماذج ما قدمته الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» ضمن برامجها، حيث سبق أن تبرعت بإنشاء مستشفى لعلاج مرضى الإدمان برأس مال قدره (300 مليون ريال)، وإنشاء مركز منتصف الطريق للرعاية اللاحقة بمبلغ قدره (15 مليون ريال)، استشعارًا بدورها وإسهامًا في وقاية المجتمع وحمايته من آفة المخدرات.

مثل هذه المشروعات التي تخدم المجتمع في صميم احتياجاته، تترجم بحق الفهم الإيجابي لأهداف المسؤولية الاجتماعية، وتعكس بقدر عالٍ حرص من يقفون وراءها على خدمة المجتمع والاعتراف بما قدمته الدولة لكياناتهم من دعم حتى أصبحت صروحًا تنعم بأعلى الإيرادات وتحقق في مسارها أكبر النجاحات.

تركيز الوعي بالمسؤولية الاجتماعية، وتجهيز الطواقم الإدارية والتنفيذية الواعية بهذه المسؤولية، سيشكل الخطوة الأولى في تفعيل العمل بهذا الجانب، ليصبح ما نصبو إليه في المجتمع حقيقة نابضة بالحياة، ويتحول المرصود المادي إلى مرافق وخدمات متسعة العطاء.