بمثل كوميديا الفيلم المصري (قسطي بيوجعني) لأضرار الأقساط المالية على المتزوجين، كان هناك بث لمايسمى مشهورة أو مغمورة يشاهدها مباشرة 3 آلاف ويزيدون، ثلثهم يسألونها وتجيبهم وما «تلحق»، وحفظ المقطع ونشر فشاهده مئات الآلاف والعدد في ازدياد، ومحتوى المقطع أن «المسولفجية» تذكر كيف «أوجعها» القسط الهندي حتى تشافت من تورم الغدة الدرقية، وأنها أمضت شهرًا كاملًا وهي تعاني من الاستفراغ (أكرمكم الله) مع عدة أعراض أخرى أثبتت لها أن مفعول القسط قد بدأ، وأنها بمجرد تركها له عادت لها أعراض التورم مرة أخرى. وبسؤالها عن مكان هذا القسط أجابت في عطارة فلان بن فلنتان، وعن طريقة استخدامه أجابت بوصفتها الخاصة. ورغم أنها قد تكون سببا في تعرض ولو جزء يسير من هؤلاء المشاهدين للفشل الكلوي واستنزاف عشرات الملايين في الغسيل والعلاج، بسبب ظهورها في مقطع لا يزيد عن دقائق معدودة، فإنها أظهرت قصورًا بالسنوات في عمل المركز الوطني للطب البديل والتكميلي الذي أنشئ عام 1429 وعرف عن نفسه بأن له الاستعانة بلجنة استشارية بعضوية كبار المنظمات الصحية بالمملكة كالحرس الوطني والتخصصي ووزارة الصحة وغيرها، لتنظيم ورقابة وتوعية المجتمع بكل ما يخص ممارسات وتطبيقات الطب البديل والتكميلي، إلا أن هذا المركز مغمور أكثر من صاحبة مقطع (قسطي الهندي بيوجعني)، فلم أعرف به حينما طلبني صديقي العربي عشبة «الراوند» وذهبت لأكبر مجمع عطارات الرياض، فحصلت على ثلاثة أشكال من تلك العشبة، وبسبب اختلاف كل منها عن الآخر اختلافًا كليا فقد أحضرتها كلها لصديقي، ولاختلاف الكمية التي وصفها لي العطار البنغالي عما وصفه لي العطار اليمني عما وصفه لي العطار السعودي في ذلك المجمع فقط، ورغم أن صديقي هذا كاد أن يتوفاه الله بسبب وصفاتي فإن ما جلبته له يختلف كليًا عن العشبة اللي يعرفها ولها وصفة أخرى في بلده، فهل كان منها ما هو فاسد بسبب الحفظ، أو أن منها ما هو غير صاف فاختلط بتلك العشبة ما يمكن أن يسبب مضاعفات لا تحمد عقباها، بل من هو المورد المسؤول عن سلامة حفظها ونقلها، وهل كتب عليها طريقة الاستخدام للشخص الطبيعي، وما هي محاذير الاستخدام والأعراض الجانبية، وهل عبوة الحفظ لها آمنة؟ كل ذلك ليس موجودًا وكان مناطًا بالمركز على الأقل أن ينظم في الصيدليات المجتمعية والتي أصبحت بالدورين والثلاثة وبخدمات السيارة وكأنها وجبات سريعة، وبالتعاون مع وزارة الصحة أركانا خاصة بالطب البديل والتكميلي في تلك الصيدليات، بما يفتح المجال للمستثمرين المطورين لهذه المنتجات النشطة، مثلما تم تطوير بيع حليب الإبل من قبل أفراد يقفون على قارعة الطريق يبيعون حليبهم «غير المبستر» في أكياس غسيل الملابس، ففتح المجال لتطوير بيعه إلى ماركة بمواصفات عالمية مثل (نوق). فطالما أن المركز لم يقم على الأقل بدوره المناط به في التوعية المجتمعية بما يعادل أو يزيد عن معدل انتشار المعلومة المغلوطة، فستكون النتيجة إهدار مئات الملايين من الميزانية العامة لعلاج من استمع لمثل نصيحة (قسطي الهندي بيوجعني).