هذا الإعصار ليس وليد اليوم، وتمرد البعض على تخصصات أخرى لا تشبههم ولا علاقة لهم بها يزيد من الفجوة التي لطالما نسعى ويسعى المجتمع بأكمله لردمها. فممارسات اليوم لم تعط الخباز خبزه على افتراض أنه سيأكل نصفه؟ فالخباز المسكين يخبز ويتعب من الصباح الباكر وغيره يأكل وينتقد ويفتي ويتفلسف في المقادير وطريقة التحضير، وطريقة الأكل الصحيحة! بل في المؤتمرات والمعارض والمناسبات التي تخص الخبز والمخبوزات الكل مدعو سوى ذلك الخباز المسكين الذي لا يملك إلا أن ينشر حلطمته وامتعاضه على شكل منشور في تطبيق «X»، ولا يتفاعل معه سوى بقية الخبازين. الحالة هذه والتي أسعى جاهدا ألا أستخدم كلمة «ظاهرة» لوصفها محبطة جدا لمن يجتهد ويبذل في مجال تخصصه، ويجد غيره من الدخلاء والمنتسبين خلسة لمجاله هم من يسابقونه للصفوف الأولى، فيبدأ يتوارى وينطفئ.

لست ضد فكرة أن ينشر الطبيب علمه في شبكات التواصل وفي الإعلام. بل على العكس في السنوات القليلة الماضية ارتفع مستوى التعليم الذاتي، وزادت متعة تقديم المعلومات التي كانت تقدم بملل ورتابة في السابق بفضل جهود هؤلاء المختصين في مختلف المجالات، الذين يقدمون المعلومات بطريقة سهلة وسلسلة وماتعة، على شكل كبسولات رشيقة بحساباتهم الخاصة في شبكات التواصل. لكن في نهاية المطاف يبقى طبيبا ويبقى مهندسا ويبقى اقتصاديا، ويجب أن يعرف نفسه دائما وأبدا بهذا بحسب شهادته ومجال عمله. وانتصارا للمهنية يجب ألا يرضى على نفسه أن يقدم بغيرها. واستخدامه لهذه الشبكات كوسيلة لتقديم معلوماته ومحتواه، لا يعني أبدا أنه إعلامي أو مستشار، وإن كان غير ذلك فأنا ومن هذا المنبر أنعي التخصصات ولا أقول سوى إنا لله وإنا إليه راجعون.