بدعوة من رئيس مجلس جمعية الأدب والأدباء وإثنينية الذييب الثقافية، حضرت حفل تكريم الأستاذ الدكتور حمد بن ناصر الدخيل أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً، وتدشين كتاب «عاشق التراث وفارس التحقيق حمد بن ناصر الدخيل» الذي يركز فيه نخبة من المفكرين والدارسين والباحثين -من خلال قراءات نوعية- على تجربة الدخيل الأكاديمية والعلمية والثقافية والأدبية والتربوية، وقد أشرف على إصدار الكتاب الأديب والناقد الملهم الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري.

وحفل التكريم الذي أقامته إثنينية الذييب الثقافية بالتشارك مع جمعية الأدب والأدباء نمط احتفائي- تكريمي فريد يمثل الوعي الراقي بحقيقة التكريم لشخصية علمية وأدبية حققت تفرداً علمياً وأدبياً استغرق معظم حياته.

وقد جاء تكريم الدكتور حمد بوصفه إنساناً مبدعاً ذا منهجية علمية فريدة وقدرة معرفية نوعية، حيث تمثل تجربته تراثاً نوعياً على المستوى النظري والتطبيقي، وكمياً ونوعياً على مستوى الكتابة والبحث والتأليف والتحقيق أنتجت مادة معرفية وعلمية متنوعة بفكر ومنهج علمي وموضوعي يقوم على الوضوح والدقة والضبط المنهجي والتأسيس المعرفي.

فالدكتور حمد الدخيل كما يصفه قاموس الأدب والأدباء الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز [كاتب، وباحث، ومحقق، تخرج في كلية اللغة العربية بالرياض عام 1384هـ/ 1964 ثم نال درجة الماجستير في الأدب والنقد من كلية اللغة العربية بالأزهر عام هـ1394هـ/ 1974م عن رسالة عنوانها «أثر الحروب الصليبية في الشعر العربي» ثم نال درجة الدكتوراه من قسم الأدب بكلية اللغة العربية بالرياض عن رساله عنوانها «الإيضاح في شرح مقامات الحريري للمطرزي دراسة وتحقيق».

عمل مدرساً في بعض المعاهد العلمية من عام 1389هـ حتى عام 1395 ثم عين معيداً في قسم المكتبات بكلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية بضعة أشهر فمحاضراً في قسم الأدب بكلية اللغة العربية، فأستاذاً مساعداً في معهد تعليم اللغة العربية، ثم عاد للعمل في قسم الأدب ابتداء من عام 1407هـ/ 1987م، وحصل على رتبة أستاذ عام 1422هـ وقد أشرف على عدد من الرسائل العلمية وشارك في مناقشة كثير منها.

تولى أعمالاً إدارية كثيرة في جامعة الإمام، منها: إدارة معهد تعليم اللغة العربية ورئاسة قسم الأدب، وعمادة كلية اللغة العربية.

وله مشاركات علمية وثقافية كثيرة في مؤسسات ولجان، وإسهام ببحوث وأوراق عمل في مؤتمرات وندوات داخل المملكة وخارجها، كما أن له مشاركات إذاعية وصحافية، وهو عضو في رابطة الأدب الحديث بالقاهرة، وجمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية بالقاهرة، وعضو المجلس الأعلى للنهوض باللغة العربية في جامعة محمد إقبال المفتوحة بباكستان، وله مشاركات واسعة في تأليف مقررات دراسية، وفي مؤتمرات تربوية.

يعد من المكثرين في التأليف فله ما يتجاوز 25 كتاباً، وتتسم كتاباته بالدقة العلمية البالغة، والمنهجية الصارمة، ولم يكن تخصصه في الأدب القديم مانعاً له من الإسهام بنصيب حسن من التأليف في الأدب الحديث شعره ونثره، فله كتاب عرض فيه بعض قضايا الأدب الحديث وأعلامه، وكتاب آخر تناول فيه بعض الموضوعات المتصلة بالأدب السعودي.

وهو من أعلام المحققين في المملكة فقد حقق عدداً من كتب التراث، كـ«الإيضاح في شرح المقامات» للمطرزي، و«الشهاب في الشيب والشباب» للشريف المرتضى و«مرشد الخصائص» و«مبدي النقائص في الثقلاء والحمقى» لعثمان بن بشر، وصدر عن دارة الملك عبدالعزيز.

ويعد الدخيل أحد كتاب المقالات الحريصين على التجويد الفني مما يجعله حقيقاً بأن يعد من رموز المقالة الأدبية في المملكة، ولم يكن اهتمامه في مقالاته مقصوراً على قضايا الأدب والنقد، فإن له عناية بقضايا اجتماعية وعلمية خارجة عن إطار تخصصه.

وفي مقالاته يظهر أثر قراءاته الواسعة في الفكر والأدب.

فالدكتور حمد الدخيل أديب موضوعي اتصف بالنضج الأدبي ونال اعتراف معاصريه بوصفه أديباً شمولياً مكتملاً تغلب عليه سمة التخصص العلمي يتمتع بوعي معرفي وموهبة أدبية، يذكر مترجموه بأنه من أشهر المتخصصين في اللغة العربية وآدابها فهو في ثرائه الأدبي يقف إلى جانب أدباء اللغة العربية الكبار أمثال الدكتور حسن ظاظا، والدكتور حسن عبداللطيف الشافعي، والدكتور محمد توفيق رفعت باشا، والدكتور عبدالله الطيب.

فالتغيرات التي أدخلها على الحياة الأدبية أسهمت بشكل واضح في تطوير الحركة الأدبية، وكان من ثمراتها ظهور نهضة أدبية واسعة بثت روح الأدب في المجتمع إذ هو أديب مشارك في صنع الحياة الأدبية وأدى دوراً كبيراً مكن فيه الأدب من أن يشق طريقه ويحقق انتشاراً واسعاً منذ مطلع الستينيات وحتى نهاية التسعينيات الميلادية مكوناً نوعاً من الثنائية بين (الثقافة - الأدب) وقد عدت تلك المرحلة نقطة تحول في تاريخ الأدب.

وكان أثناء تلك المراحل الزمنية خصب الإنتاج، إذ أمضى الجانب الأعظم من حياته أستاذاً ودارساً وباحثاً ومحققاً ومشاركاً حقيقياً في الحركة الأدبية على مستوى العالم العربي، واجتاز بالحركة الأدبية طريقاً طويلاً من تطورها وأدخل على الأدب أصنافاً وموضوعات جديدة وحيوية لم يعرفها الأدب من قبل.

ومع الإقرار بالتنوع العلمي والثقافي الذي ميز تجربته فإن المبادرات التي نهض بها كانت كبيرة ومتنوعة وشاملة ونوعية أصبحت فيه اللغة العربية وآدابها القضية المركزية في تجاربه العلمية المختلفة.

ومن اللافت للنظر أنه لم يقتصر في دراسته للغة العربية على كليات اللغة وآدابها وحدها وإنما شمل الكليات العلمية والتطبيقية والمعاهد العلمية العليا.

كانت تلك من أبرز السمات التي ميزت علاقته باللغة العربية، وكان إلى جانب ذلك له حضور واسع على مستوى العالم العربي والإسلامي وبخاصة باكستان وتونس وإندونيسيا والكويت والبحرين والقاهرة والإمارات العربية المتحدة والأردن.

لننظر في مشاركاته في تلك المؤتمرات والندوات والملتقيات الأدبية في تلك الدول: فقد شارك في المؤتمر الدولي لتطوير تعليم اللغة العربية في باكستان الذي عقد في إسلام آباد، وشارك فيه ببحث بعنوان «تقويم برامج تعليم اللغة العربية في باکستان».

وفي عام 1991 م شارك في اجتماع مديري المعاهد العربية المتخصصة في إعداد معلمي اللغة العربية وتدريسها لغير الناطقين بها، الذي انعقد في مقر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية في تونس، وأسهم فيه ببحث عنوانه «تجربة معهد تعليم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وإعداد المعلمين».

وفي عام 1992م شارك في ندوة «تعليم اللغة العربية في الجامعات الإندونيسية: الواقع والمستقبل» التي انعقدت في جاكرتا، واشترك فيها ببحث عنوانه «تجربة معاهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في السعودية ومدى الاستفادة منها في تعليم اللغة العربية في الجامعات الإندونيسية».

وفي عام 1996 م شارك في ندوة «الجامعة اليوم وآفاق المستقبل» التي انعقدت في كلية الآداب بجامعة الكويت واشترك فيها ببحث بعنوان «طبيعة البحث العلمي الجامعي».

وفي عام 1999م شارك في ندوة «تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في دول مجلس التعاون الواقع والتطلعات» التي انعقدت في كلية الآداب بجامعة البحرين واشترك فيها ببحث بعنوان «رؤية جديدة في تعليم الأدب العربي لغير الناطقين باللغة العربية».

كما شارك في الملتقى العلمي والأدبي العالمي «سيمائيات الصحراء» الذي أقامته كلية الآداب والعلوم الإنسانية في القيروان بتونس عام 2000م، واشترك فيه ببحث عنوانه «آثار الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره».

وفي عام 2000م شارك في ندوة «استراتيجية الثقافة والتنمية ودور كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي» المعقودة في كلية الآداب في جامعة الكويت، واشترك فيها ببحث عنوانه «نحو خصوصية أدبية في دول مجلس التعاون الخليجي»، وقدم كلمة الضيوف المشاركين، وترأس الجلسة السادسة ولجنة التوصيات.

وفي عام 2000م شارك في ندوة «التراث العربي المخطوط في فلسطين» القاهرة، معهد المخطوطات العربية.

وفي عام 2000م شارك في الاجتماع الرابع للهيئة المشتركة لخدمة التراث العربي، القاهرة، معهد المخطوطات العربية عقب فيه على بحث «المواقع الحرجة للتراث العربي المخطوط» للأستاذ عصام محمد الشنطي.

وفي عام 2001م شارك في الاجتماع الرابع للجنة عمداء كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعات دول مجلس التعاون الخليجي الذي استضافته كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات العربية المتحدة.

كما شارك في المؤتمر التأسيسي لجمعية كليات الآداب في الجامعات العربية الأعضاء في اتحاد الجامعات العربية المنعقد في كلية الآداب جامعة اليرموك في إربد بالأردن عام 2001م، والمؤتمر السنوي الثامن لجمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية القاهرة عام 2001م.

وفي عام 2005م شارك في ندوة تكريم الأستاذ الدكتور أحمد درويش في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة، وأسهم فيه بإلقاء مقتطفات من بحثه «أحمد الشايب بيني وبين أحمد درويش».

وفي عام 2015م حضر مؤتمر ومعرض أبوظبي الأول للمخطوطات الذي نظمته دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة تحت شعار «المخطوطات العربية: واقع وقضايا» المعقود في جزيرة السعادات، ومؤتمر أبوظبي الثاني «المخطوطات إشكالات ورؤى» الذي انعقد في منارة السعديات عـام 2020م، وأسهم فيه يبحث بعنوان «إشكالية التصحيف والتحريف في النص المخطوط».

وفي بداية عقد السبعينيات الميلادية استطاع الدكتور حمد الدخيل أن يطرح أدباً منظماً مكتملاً على شاكلة الآداب العالمية بعد أن رأى التواضع النسبي والطابع النمطي الذي يسود الحياة الأدبية وبالذات بعد أن أصبحت كلمة أديب تطلق على من لا علاقة له بالأدب إذ لا يكفي أن تكون أديباً لمجرد كونك شاعراً أو خطيباً أو كاتباً أو بليغاً أو قاصاً وقد تناول الدكتور طه حسين هذه المسألة بشيء من التفصيل.

فمثلاً شكسبير وهو شاعر إنجليزي استطاع أن يحدث تحولات عميقة على مستوى أوروبا وعد حينها من أعمق نقاط التحول التي قادت إلى ما يعرف بعصر النهضة الأوروبية، وهذا الحكم يصدق على لسنغ وكرستان کونتر وفيلاند وفولتير وشارل مونتسكيو فقد كانوا حدثاً حاسماً في تطور المجتمعات الأوروبية.

وإن كان أدب الدكتور حمد الدخيل له طابع خاص فقد كان أدباً قائماً على اللغة العربية وآدابها دراسة وتعليماً ورصداً وتأليفاً وبحثاً وتحقيقاً وتثقيفاً على امتداد نصف قرن، وعد مرجعاً نوعياً في اللغة العربية وآدابها.