هو السؤال الكلاسيكي الذي لا يمكن الإجابة عليه بـ «نعم» أو «لا». فهو يفترض - ربما بشكل غير صحيح- أن الشخص الموجه إليه السؤال قد ضرب زوجته فعلًا، فالإجابة بـ «نعم» تؤكد ذلك، والإجابة بـ «لا» تعني أنه لا يزال يفعل ذلك؛ سواء أجاب المجيب بنعم أو لا، فسوف يعترف بأنه كان له زوجة وأنه ضربها في وقت ما في الماضي.

هذه النوعية من الأسئلة التي تفترض مسبقًا التهمة، قد تؤدي إلى إصدار الأحكام والتحيز اللاواعي، فلقد أظهرت تجارب «إليزابيث لوفتوس» و«جون بالمر» في السبعينيات أن كيفية صياغة السؤال يمكن أن تغير رأي الشخص وتغير ذاكرته بشكل كمي عن حدث سابق، حيث أظهرت نتائج الدراسة أن إجابات الطلاب عن الأسئلة المتعلقة بحادث سيارتين، باستخدام أفعال مختلفة (تحطم، تصادم، ضرب) لوصف الحادث، يمكن أن تغير تصور السرعة لدى المستقبل، كما أنه في تجربة ثانية، سُئل الطلاب عما إذا كان هناك زجاج مكسور على الأرض في مكان الحادث، حيث لم يكن موجودا أصلًا في المقطع، ووجد أن أولئك الذين تلقوا كلمة «تحطم» كانوا أكثر عرضة لتذكر الزجاج المكسور من أولئك الذين تلقوا كلمة «ضرب». يشير هذا إلى أن اللغة تتواصل بشكل أكثر فعالية مما نعتقده بوعي الفرد، لأن اللغة هي أداة تساعدنا على توصيل المعلومات، ولكن يمكن استخدامها أيضًا لنقل المعلومات حتى التي لا نريد أو لا ننوي نقلها.

فمثلا في الأفلام أو التمثيليات الدرامية البوليسية، غالبًا ما تابعنا مجريات لأحداث داخل قاعة المحكمة حيث كان المشهد يظهر المدعي العام يشير بإصبعه إلى المدعى عليه ويسأله بشكل اتهامي: «لماذا قتلت شريكك؟» ما يعني أن الشخص قتل الشريك بالفعل، أو «ماذا فعلت بالمسدس؟» ما يعني أن الشخص يمتلك سلاح الجريمة.

غالبًا ما يكون الغرض من استخدام هذه النوعية من الأسئلة هو وضع الشخص الذي يتم استجوابه في موقف دفاعي وإثارة الشك في أذهان الآخرين حول نزاهته أو شخصيته؛ وهو تكتيك يستخدم للتلاعب بمصداقية شخص ما أو تقويضها دون تقديم أي دليل أو أساس لهذا الاتهام.

وهذه النقطة بالذات ما يتم ترويجه بأنه حدث لفريق الدفاع الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، من قبل فريق الاتهام لدولة جنوب أفريقيا. حيث قال أحد المدافعين عن الفريق المدعى عليه: «تدافع إسرائيل حاليًا عن نفسها من اتهامات الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية. ومع جهل قسم كبير من العالم بالتفاصيل المعقدة العديدة لهذه الاتهامات، فقد ترك لدى الكثيرين انطباعًا عامًا بأن إسرائيل لابد أن تكون مذنبة بطريقة أو بأخرى بالتهم البغيضة الموجهة ضدها. إنها حالة كلاسيكية للسؤال: «متى توقفت عن ضرب زوجتك؟» إنه وضع سخيف أن تجد ضحية محاولة الإبادة الجماعية متهمة بهذه الجرائم البشعة من بين جميع الجرائم».

ليس فقط ساستهم مدربون جيدًا على التضليل الخطابي بل وأيضًا أعضاء الجهاز الإعلامي خاصة الخارجي، فهم مدربون على استخدام الحجج التي تبدو حقيقية، ولكن بها عيب يمكن إخفاؤه إذا لم تكن مدربًا على التقاطها.

لن أحلل لكم ما قاله المدافع عن فريق العدو الصهيوني، فقط سوف أستكفي بأن ألفت نظركم، هذا إن كنتم قد تابعتم المرافعة التي تقدم بها فريق جنوب أفريقيا، بأن ما تم الحديث عنه لم يكن «متى توقفتم»، بل «ما تقومون به الآن»! خذوا هذه النقطة وارجعوا إلى المقطع سوف تجدون بالتأكيد الكثير من المغالطات والتضليل.

لكي نواجه أو على الأقل لا نقع في فخ التضليل، يجب أن نتعلم كيفية فهم وتحليل الحجج، إنها تدريبات لا تنمي لديك القدرة التحليلية فقط بل أيضًا تزيد من معلوماتك؛ حاول الدخول في المناقشات بنفسك، وابتعد عن المجادلات، فلقد تعلمت بشكل عام أن الناس يتجادلون بدلًا من أن يناقشوا، وأن العقول لا تتغير عمومًا بالجدل.

ابدأ مثلا بالتمرين التالي الذي وجدت خلال بحثي عن الموضوع: هناك موقف «أ» وموقف «ب»، حاول الآن الدفاع عن الموقف «أ»، انظر إلى أي مدى يمكنك القيام بذلك، ثم دافع عن «ب» وانظر إلى أي مدى ستصل، حاول الفوز في كلتا الحالتين! ولتعطي لنفسك تحدي أكبر ليكن ذلك على مواقع مختلفة من مواقع التواصل الاجتماعي، ادخل باسم مستعار في كل مرة، ضع في اعتبارك أنك لا تحتاج بالضرورة إلى الدفاع عن رأيك الحقيقي، اعتبر الأمر برمته وكأنك ممثل وتحاول أن تتعلم كيفية التمثيل، بل الأفضل من ذلك: إذا كنت تؤمن بـ «أ» ولكنك تدافع عن «ب»، فسوف يقدم لك الناس الحجج ضد «ب» وبالتالي لصالح «أ» مجانًا، وبعد أن تكون قد غيرت موقفك عدة مرات، لن يكون لديك أقوى الحجج لموقفك فحسب، بل ستتعرف أيضًا على أقوى الحجج ضده وستعرف كيفية نزع فتيل الحجج المضادة متى ما ظهرت.

هذا ما يتدرب عليه عادة الإعلاميون والسياسيون في الغرب حتى يكونوا متمكنين من طرح أو مواجهة الأسئلة؛ يركزون على دراسة المغالطات المنطقية واللغوية وكيفية استخدامها، ودورك هنا هو أولًا التعرف على أنواع هذه المغالطات والأمر سهل باستخدام الباحث على جوجل، ثم اختيار مقالة لإعلامي من المدافعين عن الكيان المحتل أو لقاء مسجل لأي سياسي داعم له، وحاول العثور على أكبر عدد ممكن من المغالطات. بمجرد أن تفهم هذه التقنيات بشكل أفضل، ستكون أكثر قدرة على المواجهة والدفاع أو على الأقل غير قابل للتضليل، لأنه وللأسف نجد اليوم الكثير ممن يردد سردية أو حجج العدو بعد أن يؤكد لك أنه يفعل ذلك فقط للموضوعية والتوضيح، وهذا ليس إلّا كي نتمكن من التفكير بحلول فاعلة وقابلة للتنفيذ.. عجيب!

إذا كان الأصل فيه مغالطات فكيف يتوقعون أن نستخرج من الفروع حلولا؟!