بمنتهى الشفافية والوضوح قدم الوفد السعودي، الاثنين الماضي، تقريره خلال الجولة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي سرد باستفاضة تامة مسيرة الإنجازات التي تحققت خلال الفترة من نوفمبر 2018 وحتى أكتوبر 2023، وسلط الضوء على التغيرات الإيجابية العديدة التي حدثت في هذه السنوات الخمس، بما يمثل طفرة تشريعية متكاملة .

التقرير الذي قدمته رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتورة هلا بنت مزيد التويجري جاء وافيا واتسم بالمهنية والشمولية الكاملة، حيث أجاب على كافة الاستفسارات وأوضح حجم الجهود المتعاظمة التي بذلتها المملكة لترقية هذه الحقوق والإجراءت العديدة التي اتخذتها لترسيخها وجعلها جزءا من ثقافة المجتمع. وأوضح حجم الجهود التي بذلت خلال الفترة الماضية، والإصرار على المضي في ذات الطريق لاستكمال إنجاز بقية الأهداف.

فالمملكة تولي قضية حقوق الإنسان أهمية بالغة، وربطت بينها وبين التنمية الاقتصادية والمجتمعية، وهو ما أكسبها زخما متزايدا نتيجة للدعم غير المحدود الذي تحظى به من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- اللذان أوليا اهتماما كبيرا لتطوير وإرساء وحماية هذه الحقوق، وهو ما منح المملكة مراكز متقدمة في التصنيفات والمؤشرات العالمية، وحصلت بموجبها على إشادة وتقدير الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية.

وجاء التقرير متكاملا واحتوى على جميع المعلومات الضرورية التي تعكس حالة حقوق الإنسان في المملكة وأوضح أن المملكة عازمة على المضي قدما نحو بلوغ أفضل المستويات العالمية في حماية وتعزيز حقوق الإنسان في إطار رؤية 2030 ويؤكد ذلك ما تحقق من إصلاحات وتطورات تاريخية خلال هذه الفترة الوجيزة، منطلقة في ذلك من مبادئها وقيمها الراسخة وإرادة قيادتها التي تقدم الإنسان على كل اعتبار.

وقد أوضح التقرير بصورة متكاملة الطفرة التشريعية التي تعيشها المملكة في هذا العهد الزاهر لاستكمال منظومة القوانين والأنظمة، لا سيما المتعلّقة منها بحقوق الإنسان، وتعزيز الحوكمة والمؤسّسية وإعلاء قيم الشفافية والمحاسبة والنزاهة.

كما ركز على تأكيد المملكة إيمانها بأهمية آلية الاستعراض الدوري الشامل بوصفها إحدى أدوات مجلس حقوق الإنسان الفاعلة لتحسين هذه الحقوق، لذلك أبدت أقصى قدر من التعاون والجدية في التعامل معها، والدليل على ذلك تنفيذ 85 % من جملة التوصيات التي قدمت لها في الدورات السابقة والتي بلغ عدده 450 توصية، وهي نسبة إنجاز عالية تشير بوضوح إلى الجدية التي تتعامل بها المملكة مع هذه القضية.

كما أشار التقرير إلى التعاون الكبير الذي تبديه السلطات السعودية مع الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان والاستجابة الفاعلة لاستيضاحات أصحاب الولايات بنسبة استجابة بلغت %99، كما تشارك بفاعلية كاملة في المشاورات التي يجريها أصحاب الولايات لأغراض إعداد وتقديم تقاريرهم إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة بنسبة بلغت %98.

هذا التعاون الكبير يثبت حقيقة واضحة هي أن السعودية تنظر إلى حقوق الإنسان على أنها قضية جوهرية، وتتعامل معها بمنتهى الجدية، استجابة لرغبة مجتمعها وتلبية لحاجاتها وليس خضوعا لإملاءات أو ضغوطات خارجية.

ومما يميز هذه المساعي أنها لا تقتصر على الجهد الحكومي فقط، بل إن منظمات المجتمع المدني أصبحت شريكة في تعزيز هذه القيم لترسيخها ضمن ثقافة المجتمع، حيث تتكامل الجهود لتعزيزها. وتقوم هذه المنظمات بأدوار رائدة تستكمل الجهود الحكومية وتدعمها وتؤكد عليها، وقد أثبتت تلك المنظمات جدارتها وأهليتها للقيام بالأدوار المرجوة منها.

في ذات الإطار، فإن هذا النهج الفريد للوفاء بالتعهدات الطوعية التي قطعتها المملكة في ما يتعلق بالمسار الدولي يتوافق ويتزامن مع الطفرة التشريعية الهائلة التي تشهدها بلادنا في الوقت الحالي، ففيما تبدي المؤسسات المختصة مع توصيات الآليات الدولية تجاوبا منقطع النظير مع تلك التوصيات وتحقق نسبة إنجاز عالية، وهو ما يتجلى في كون السعودية هي أول دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتمد استخدام قاعدة البيانات الخاصة بتتبُّع تنفيذ تلك التوصيات، فإن عملية تعديل بقية القوانين تتواصل وفق رؤية متكاملة تراعي التدرج والاحتياجات الفعلية.

وكان لافتا خلال تقديم المملكة لتقريرها تأكيدها على إيمانها بمبدأ تكاملية وعالمية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة وأهمية إعطائها ذات القدر من الاهتمام، وذلك لأنها منظومة واحدة، فالعالم الذي نعيش فيه أصبح قرية صغيرة لا مجال فيها للتمايز، وبمثلما يتم التركيز على حقوق الإنسان في منطقة معينة فإنه من الضروري أن يجد ذات الإنسان نفس الحقوق في بقية مناطق العالم، دون تمييز أو كيل بمكيالين.

ومن واقع مشاركاتي السابقة في مثل هذه المناسبات أسجل إشادتي بالتقرير الأخير الذي قدمه الوفد السعودي لأنه جاء متكاملا، وسوف تكون له آثار إيجابية كثيرة في الفترة المقبلة، إضافة إلى أن آلية التعامل الواضحة التي تتبناها الهيئة والتي تقوم على الأدلة الثابتة والإثباتات القطعة والأرقام الرسمية سوف تسهم في تأكيد الحقائق والوقائع.

لذلك، أستطيع القول بمنتهى الثقة، إن المملكة تمضي بثبات في طريقها نحو تعزيز مكانتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتجني كل عام مكاسب متجددة، مستعينة في ذلك -بعد توفيق الله- بالدعم غير المحدود الذي توفره القيادة الرشيدة، والاستراتيجيات الواضحة التي جاءت بها رؤية المملكة 2030 التي نادت بضرورة ترقية وتحسين واقع حقوق الإنسان باعتبارها جزءا أصيلا من موروث هذه البلاد وعادات أهلها وتقاليدهم العريقة.