ما زال مهرجان الزهور الثالث الذي أطلقته بلدية القطيف منذ 18 يناير الجاري يشهد توافد آلاف الزوار على متنزه سيهات، حيث يقام المهرجان الذي يحظى برعاية واهتمام أمين المنطقة الشرقية المهندس فهد الجبير.

ما لا يعرفه كثيرون أن «متنزه سيهات»، الذي تجاوز عمره اليوم الـ55 عامًا يعد شاهدًا على تاريخ ثقافي واجتماعي كبير يعتز به أبناء المنطقة.

وبحسب كبار السن، الذين عاصروا مراحل تاريخ هذا المتنزه العتيق، فإنهم يرون أنه من الخطأ النظر إليه على أنه مساحة خضراء، خصصتها بلدية سيهات للترفيه والترويح على النفس، بقدر ما يجب النظر إليه على أنه يختزن تاريخ نصف قرن لسيهات، وربما المنطقة الشرقية بأكملها، يشرح ويبين الإرث الثقافي الذي كان عليه الأهالي قديمًا، وكيف كانوا يعيشون، بما وصفه البعض بأسبقية الانفتاح على الآخر ونقل تجارب وثقافات أخرى لخدمة هذا المجتمع الصغير؛ فضلًا عن السينما التي احتضنها المتنزه في منتصف الستينات لأشهر معدودة قبل إيقافها، وكذلك المقهى الصغير الذي سمي بـ«كازينو سيهات» وصولًا إلى كونه وجهة ترفيهية تطل على البحر قبل أن يتم ردم الجهة الغربية من سيهات وتوسيع المتنزه لتصل مساحته إلى 45 ألف متر مربع.

وثائق وتاريخ

تاريخ متنزه سيهات القديم، تشهد عليه وثائق وصور قديمة، وروايات أدبية، وقصص كثيرة، يرويها كبار السن وأهالي المدينة، وهي تعكس ما يتمتع به المتنزه اليوم من شهرة غير عادية، تجعله شاهدًا على كثير من التحولات التي شهدتها سيهات والمنطقة الشرقية.

وبدأ هذا التاريخ منذ منتصف عقد ستينيات القرن الماضي، وتحديدًا من العام 1968، عندما أعلنت البلدية عن إنشاء المتنزه.

واستمر المتنزه في أداء دوره كوجهة سياحة للأجانب من موظفي شركة أرامكو السعودية، ومتنفسًا للأهالي والعائلات، وملتقى للجاليات العربية حتى العقدين الأخيرين، وتم استثمار أرض المتنزه البالغ مساحتها 45 ألف متر مربع في إقامة الفعاليات والمهرجانات.

مساحة خضراء

ذكرت بلدية سيهات في منشور لها يعود إلى العام 1969، أنها أتمت إقامة المتنزه، الذي يتيح للأهالي فرصة التنزه وقضاء وقت ممتع، بكلفة بلغت 25 ألف ريال.

وأضافت «نُسق المتنزه تنسيقًا جميلًا، وأحيط بسياج يقي الأشجار من البهائم والدواب، كما روعي فيه إيجاد الممرات الواسعة، ووضع المقاعد المريحة للزوار بين الماء والخضرة».

وتقول المصادر والصور القديمة للمكان إن بداية متنزه سيهات، كانت عبارة عن جزء من ساحل سيهات، في إشارة إلى أنه لم يكن سوى مجرد شاطئ مطل على الخليج العربي، وتحديدا على ضفافه الغربية.

بُنيت معظم مساكن موظفي شركة أرامكو، ابتداءً من عام 1958، وتم ردمه مع بدايات عام 1966 تقريبًا، لإتاحة مجال أكبر للمساحة الخضراء التي تحولت فيما بعد إلى مكان للهو الأطفال وترفيه العوائل، حيث تم إنشاؤه على يد عبدالله الشماسي رئيس بلدية سيهات حينها.

تاريخ التشجير

لم ينس القائمون على إنشاء المتنزه أن يخصصوا أماكن للعزاب، إلى جانب الأماكن الخاصة بالعوائل، وهو ما أشار إليه المنشور ذاته، الذي أسهب في الحديث عن تاريخ التشجير داخل المتنزه، قائلًا «زُرعت في المتنزه 600 شجرة متنوعة، منها البنسيانا والتين الهندي وشجر السم والنخيل، وقد جلبت كلها من المشاتل المحلية».

وما زالت بعض أشجار المتنزه المُعمرة موجودة فيه حتى اليوم، شاهدة على جهود البلدية بالتعاون مع شباب المدينة ـ آنذاك ـ حيث عمل الجميع لتجهيز المتنزه، وتزويده بما يحتاج إليه من زراعات مختلفة توفر المنظر الجميل، والظلال الوارفة، التي تضفي على المكان جمالًا استثنائيًا.

شهود على التاريخ

في هذا الصدد، كشف الفنان التشكيلي السعودي كمال المعلم، أن شقيقه عبدالوهاب منصور المعلم، هو الذي قام بعملية تشجير المتنزه عند إنشائه، باعتبار أنه كان المقاول المسؤول عن ذلك، وبالتعاون مع البلدية.

وقال كمال المعلم لـ«الوطن» «قام عبدالوهاب بنقل الأشجار والشتلات إلى المتنزه، من مشتل سيهات، الذي كان يملكه، وهو أول مشتل في المنطقة الشرقية، يركز على زراعة الشتلات بأسلوب حديث واحترافي، حيث كان يجلب الشتلات من مدينة البصرة في العراق».

وكان عبدالوهاب المعلم المقاول الوحيد الذي يتعامل مع شركة أرامكو، وعمل على تنظيف وزراعة وتشجير مدينة الظهران، داخل مقر سكن الموظفين الأجانب، وكذلك زراعة بيوت موظفي الشركة في الظهران وبقيق والأحساء ورأس تنورة والدمام والخبر والقطيف وسيهات، وغيرها من مدن المنطقة.

ويقع مقر مكاتب عمله داخل مدينة الظهران حيث عمل إداريًا (Senior) ولديه عدد من الموظفين والعمال في مزرعته، وما يزيد على 30 سيارة لنقل الشتلات، وكان يوظف لديه عددًا من الشباب خلال فترة الإجازة الصيفية، كما قام بزراعة محطة تلفزيون الدمام عند إنشائها.

وقال كمال «كنت حاضرًا وقتذاك عند الاستعداد لافتتاح المحطة».

مشتل سيهات

في تقرير لعدد من مجلة القافلة، نشر في ربيع الأول من عام 1380 أوضح التقرير أن مشتل سيهات كان يقع على بعد حوالي كيلومترين من مدينة سيهات في المنطقة الشرقية، لافتًا إلى أن المشتل كان «مزرعة جميلة وحديثة، تتميز بالاتساع، وتمتاز بوجود أنواع عدة من نباتات الزينة والعناية بها، وهذه المزرعة تعد الأولى من نوعها في المنطقة، وهي متكاملة الأجزاء، وتسير أعمالها حسب الطرق الزراعية الحديثة».

وقال صاحب المزرعة عبدالوهاب المعلم، آنذاك «نبيع الفسائل التي ينتجها المشتل، لشركة الزيت العربية الأمريكية - أرامكو - ولكثيرين من سكان المنطقة الذين يأتون إلى هذا المكان لشراء شتى أنواع الأشجار».

وأكمل «مساحة المزرعة تصل إلى 18600 ياردة مربعة، وتتكون من 41 حوضًا، تبلغ مساحة الحوض الواحد منها حوالي 200 قدم مربع، ويضم كل منها نحو 400 غرسة».

وأضاف «يوجد 18 نوعًا من الغرائس، وهي تختلف حسب نوعها وميزاتها، فمنها غير المزهر، مثل البيبول والسرو والياسمين والبونسيانا، ومنها المزهر، مثل الأوليندرز واللانتانا والدبابة والحنة، وهذه الأنواع جميعها وارفة الظل».

ويتناقل أهالي مدينة سيهات وعدد من المصادر الحية التي كانت شاهدة على إنشاء المتنزه، أن «الشجيرات والأزهار التي نقلت له أثناء تشييده كانت من مشتل سيهات، لصاحبه عبدالوهاب المعلم».

سينما وترفيه

تاريخ متنزه سيهات، لم يقتصر على الزراعة والأشجار المعمرة، وإنما ضم أيضًا قصصًا، تشير إلى أن المتنزه وصل في مسار الترفيه إلى أبعد مدى، عندما شهد تدشين أول تجربة للسينما في الهواء الطلق، في صورة عمل استثماري خاص.

وأنشئت السينما على يد المرحوم أحمد الربعان، الذي استأجر جزءًا من أرض المتنزه، لإقامة السينما عليه، وتم تدشين السينما التي زودها بأفلام ذات بكرة صغيرة بمقاس 8 مليمترات وبروجكتر صغير لشاشة عرض مقاسها 60 في 80 سينتمترًا، وسط مقهى صغير حمل اسم كازينو سيهات، كان يستقبل زواره، ويقدم لهم المشروبات الغازية، والساخنة والمرطبات.

ويقول تاريخ هذه السينما إنها شهدت في العام 1969 عرض فيلم مصري حديث، بعنوان «أبي فوق الشجرة» الذي لعب بطولته الفنان عبدالحليم حافظ والفنانة نادية لطفي، ولكن هذه التجربة لم تستمر إلا أشهر بسيطة، قبل أن يتم إغلاق السينما مع بداية عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

رواية توثيقية

حملت رواية «هسهسة التراب» للكاتب عيد الناصر، جانبًا من تاريخ سينما متنزه سيهات، حيث تناولت ما بقي عالقًا في ذاكرة سيهات من بقايا الحلم السينمائي الذي حلم به أحمد الربعان رحمه الله.

وقال إن عدد رواد هذه السينما وصل إلى نحو 400 شخص في الليلة الواحدة.

متنزه استثنائي

من جانب آخر، انعكست التجارب القديمة واحتضان المدينة لثقافات متباينة على مستوى الفعاليات والمهرجانات التي استمرت حتى يومنا في المتنزه، حيث احتضن في جانبه الشرقي سوقًا أسبوعيًا للطيور والحيوانات الأليفة، فيما فتح أبوابه لممارسة مختلف الرياضات مثل المشي، وكرة القدم، والتدريبات البدنية، وعن ذلك يذكر الفنان السعودي علي السبع أن المتنزه كان بمثابة المشروع الترفيهي الأول في المنطقة، واصفًا المكان الذي شهد زيارته وحضوره منذ الصغر بكونه محطة التقاء الثقافات والمجتمع بمختلف شرائحه.

واستضاف المتنزه مهرجانات الأعياد والفعاليات المتنوعة حتى مهرجان الزهور المقام حاليًا على هذه الأرض القديمة والذي تجاوز عدد حضوره الـ60 ألف زائر خلال الأيام الثلاثة الأولى من انطلاقته.

متنزه سيهات

مساحة الحديقة

45000.00 متر مربع

عمره

تجاوز الـ55 عاما

احتضن مقهى صغيرا

سمي بـ«كازينو سيهات»

أعلن عن إنشائه

عام 1968

انتهى إنشاؤه

عام 1969

كلفته بلغت

25 ألف ريال عند الإنشاء

زرعت فيه

600 شجرة متنوعة

شهد تدشين

أول تجربة للسينما في الهواء الطلق

أنشأ السينما

المرحوم أحمد الربعان

زودت السينما

بأفلام مقاس 8 ملم وبروجكتر صغير لشاشة عرض 60 في 80 سم

عرضت السينما

فيلم «أبي فوق الشجرة» في 1969

وصل عدد روادها

إلى 400 شخص في الليلة الواحدة

أغلقت السينما

بعد أشهر بسيطة من افتتاحها

رواية «هسهسة التراب»

روت جانبا من تاريخ سينما متنزه سيهات