شيطنة المختلف، وتشويه صورته، تعد من أهم أدوات الكارهين لغيرهم، ويعدونها ضرورة من ضروريات تعبئة الناس على بعضهم البعض، وإضعاف معنويات المختلف سواء كان الاختلاف في الفروع أو حتى في الثوابت، ويقف خلف هذه الشيطنة وهذا التشويه وذاك التهجم أطراف عديدة، تحركهم دوافع ومصالح وأهداف فكرية، ويعملون ليل نهار على شيطنة الآخر، وربما تجريمه..

دوافع المشيطنيين للآخرين وأهدافهم لا تحصى، ومما أجزم بصدارته، بناء حواجز نفسية بين مختلف المستويات، وتقبيح أفعال الآخرين، وحمل الناس على معاداتها، وصولا للبغية غير المعلنة، وهي احتكار الصواب، واختصاصهم به؛ وخبثهم الأكبر له صور كثيرة وخطيرة، كتصوير المختلف عنهم بأنه خطر على الأمن والأمة، وعلى الدين والوطن، وطبيعي أن هذا، ووفق تقنية الشيطنة، لا يكون إلا بإلصاق صفات مكروهة وطنيًّا بمن يراد شيطنته، وتنصيبه عدوًّا بما يحمله من معتقدات وأفكار، وتبديعه وتكفيره إن كان مسلما، وتخوينه ورميه بالجاسوسية إن كان غير مسلم، ولا يضير فاعلو الشيطنة من أجل تحقيق أمانيهم تحريف كلام غيرهم، والدخول في نواياهم، وبتر كلامهم، وإنتاج سيناريوهات عجيبة وغريبة، ضد أي فكرة أو ثقافة أو حضارة أو شعب أو شخص أو أي شيء آخر لم يعجبهم.

مؤلم جدا شيطنة أي امرأة لا تلتزم بزي معين، وأي رجل له نمط شخصية معين، ومؤلم جدا شيطنة الكتاب والمفكرين، ورموز العلماء والفلاسفة، ومؤلم جدا شيطنة الحضارات، ومؤلم جدا شيطنة الشعوب، ومؤلم جدا شيطنة الأفراد، ومؤلم جدا ما يفعله المشيطنون من تضييع أعمار الناس في أوهام غير حقيقية، ومؤلم جدا أن تستمر المحاولات في شيطنة المختلفين، وإجهاض حقوقهم، وقمع آرائهم، ومؤلم جدا تأجيج الناس ضد بعضها، وتقييد حرية الفكر والمعتقد، خصوصا إن تغلف هذا باسم الدين. وفي النهاية، الشيطنة بكل أو بعض ما قدمته أراه، وللأسف، خطيئة ندفع ثمنها جميعا، بغض النظر عن أنواع اختلافاتنا، لأن إقصاء وإزاحة المختلف عن المشهد العام يعطل المصالح، وجعل المختلف فزاعة ومصدر رعب يفسد الحياة، ويبعدنا مسافات بعيدة عن الآمال المدنية والدنيوية، وأقصد بذلك أن يخلص الكل لوطنه، وأن يتفانى الجميع لأجل صيانة السلم الأهلي، ونبذ الأفاعيل العنصرية، وغض الطرف وجوبا عن خصوصيات الآخرين؛ لأن الشيطنات والتلاعب بالخصوصيات تحول ولاءات الناس من الولاء للوطن للولاء للطائفة والمذهب، وللمنطقة والقبيلة، وهذا يعني قتل معنى المواطنة ومدنية الدولة، ونسف حقيقة أن الدين للفرد والقانون للدولة؛ وما على الخيريين إلا العمل على التجاور والتلاحم بلا هالة وتضخيم، ودون قدسية وتفخيم، والعمل المستمر على تأكيد أنه لا مكان بيننا للتفرقات العنصرية، ولا للتشكيكات الطائفية، وكما قال ولي العهد الهمام، بارك الله لنا فيه: «لا يمكن لشخص الترويج لأحد هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية».