ويعتقد أن المنافسة المهنية والاجتماعية لها دورٌ كبيرٌ في إثبات نفسه، وقد يدخل في دور المقارنات الاجتماعية الضارة بمكانته، ويتخلى فيها عن الضمير والأخلاق الحميدة التي قد تؤدي إلى تداعيات وخيمة تضر في العقل اللاواعي وكبح نزعات المثالية. لذلك من الصعوبة أن يتخلى عن المقاييس العالية التي يزن بها الأمور، وأن يركز على ما هو مهم وفعّال، ويتجنب نقد الذات المستمر؛ لأن محاولات الوصول إلى المثالية والكمال لا تكون صحيًة في مراحل التركيز والتقدم؛ لأنها تُعيق تحقيق الإنجازات المميزة المنفردة لذاته، ويكون صاحبها بوجهٍ مزيفٍ مفبركٍ بطريقةٍ قد تنكسر وتتزلزل أركانها بأي لحظة، وينكشف المستور بشكل مؤسف، ويُصاب بالإحباط إذا وجدَ نقصًا معينًا في شخصيته. ولا ننسى في هذا السياق أن الإنسان خُلِق ناقصًا؛ بحكم طبيعته البشرية، ومع مرور الوقت نجد الشخص المثالي ناقدًا لذاته بشكل مبالغ فيه، وشديد الخوف من التغييرات المفاجئة، ولا يقبل التغيير والتجديد بكل خطوة، بل ثابت على صورةٍ نمطيةٍ واحدةٍ؛ خوفًا من نزعة المثالية العالية، ويضع معايير عالية بالأشخاص والأحداث، وكل ما هو جديد في حياته، ولا يستشعر قيمة النجاحات الصغرى، وتراه شديد الخوف من تقييم الآخرين له. وعليه نجد صورًا عديدة من ممثلين ومشهورين مصابين بهذه النزعة، ونجد كثيرًا منهم يتبرع علنًا للجمعيات الخيرية، ويُناصر حقوق الإنسان والطفل، وضد الشر بأنواعه. ولو بحثنا عن أعماق هذه الشخصية نجدها في قمة الاستهتار والاحتقار للبشرية، ولكن نتيجةَ بحثِه للكمال يُفضّل ظهوره بهذه الصورة النمطية للمجتمع؛ وأن يكون الإنسان الكامل والمثالي، ويحظى بالقبول والثناء من هنا وهناك. لذلك فما بين مثالية المشاهير وانتقاد المتابعين يتوه الإنسان ويفقد هويته وذاته، باحثًا عن مثاليةٍ دونَ انتقاداتٍ، مما قد يعرضه لضغطٍ نفسي وعصبي رهيب؛ نتيجةَ عدمِ قبول الواقع والرغبة في تغييره، والشعور بالإحباط والعجز لعدم توافر الإمكانات المثالية لتغييره. ونجد حبه لذاته مشروطًا بقيمٍ محددةٍ لا يتنازل عنها، وقد يكره نفسه في مواطن كثيرة بشخصيته، ويحصر نفسه بالكره المستمر؛ نتيجةَ انغماسهِ بأفكارٍ غير واقعية، يقول شكسبير: «لسنا كاملين، ولم نُخلق للبحث عن الكمال، خلقنا بشرا نُخطئ ونصيب ونجرب ونتعلم».
لهذا فالتربية من الصغر لها دور كبير ومؤثر؛ فقد يكون الباحث عن الكمال نشأ في بيئةٍ مليئةٍ بالفوضى، أدت إلى هذه المعاناة، وأصبحت طفولته قاسيةً للحد الذي لا تقدر مجهوداته، ولا تقدر نجاحاته، وبات مُلزمًا بأن يكون تحت معيار محدد، ومقاييس يجب أن يصل إليها، وإن لم يصل لها أو بها، يكون في نظر الوالدين طفلاً غيرَ مكتملٍ، ويدخل في دائرة الإهانة المستمرة بالأقوال والأفعال والمقارنات بينه وبين بقية الأطفال، كما أنه لا توجد في بيئته ثقافة التسامح مع الأخطاء، ومهما حقق من إنجازٍ، يظل الوالدان غير راضيين عما حقق من أهداف، وهذا سببَ له القلق والتوتر الزائد، وبحثه عن تقدير الذات في الكمال، ودخوله في هاجس الإتقان والخوف من ارتكاب الأخطاء، وأن يكون كلَّ شيءٍ منظمًا ومُرتبًا وفق قواعد وقوانين صارمة على نفسه وعلى الآخرين، ما قد يسبب نفورًا واضحًا لمن حوله.
وعليه فدوافع النجاح والتميز هدفها نبيل للذات، وطريق للاجتهاد والإتقان، وهذه الدوافع هي ما تحدد هويتك المميزة دون قيود المثالية، مما يزيد من التحسين المستمر، والرضا الكامل عن الذات، والتحرر من الإحباط والسلبية، وإرهاق النفس بوهم السعي وراء الحياة المثالية والكمال الكاذب المزيف، الذي قد يتسبب بالضياع وفقدان الهوية. لأن الحياة مليئة بالصراعات والفوضوية غير العادلة في كل تفاصيلها. لذلك لا تكنْ بصورةٍ نمطيةٍ مثاليةٍ على الدوام، واجعل حياتك مليئةً بالقناعة والرضا؛ ففكرة «المثالية مرهقة جدًا». حسبكَ أن تكون إنسانًا لطيفًا، مقبولاً، خلوقًا، مُسالمًا، لا تؤذي أحدًا، ولا تُؤذَى من أحدٍ. إن وصلتَ لهذه المعايير، فهذه أسباب كفيلة بــ«المثالية الحقة».
R_nughmshi@