في زيارة صحفية قديمة للفنان الفرنسي أدوغمست رنوار، قال الفنان وهو يتحدث عن رسومه: إن ما أرسمه هو أنا نفسي - وليس شيئاً آخر، ولعل المراسل الصحفي الشاب التفت حوله. فلم يجد من بين لوحات الرسام العظيم لوحة شخصية تمثل الرسام - نفسه، ولكن ابتسامة رنوار نفسه جعلته يدرك أن في كل لوحة من اللوحات التي تملأ المرسم، طبيعية كانت أم أشخاصاً أم موضوعات صامتة، روح ومعنی رنوار نفسه ولا شيء غير هذا، لأنه لا يستطيع أن يكون مزيفاً برسمه، كما أنه ليس قادرا على اصطناع إنتاجه وطمس آثار يده التي تعبر عن انفعاله الحر الصادق.

وفي رسالة فان كوخ الرسام الهولندي، لأخيه ونيو قال له: إن الجميع هنا ينفرون من رسومي تماماً كما ينفرون مني، وهم يرون لوحاتي بائسة مثلي، وأنت وحدك تعرف أنني إنما أعبر عن الإنسانية كلها.

أما بابلو بيكا سو الفنان الإسباني الأشهر، فقد كان يقول دوماً «لست إلا تاريخي الفني».. أردت من ذكر هذه الأمثلة القصيرة أن أصل إلى الحديث عن علاقة الفنان بفنه، هل هي علاقة مجانية؟ أم هي علاقة غائية

أم علاقة موضوعية.

ومن المحتم سواء أكان الفنان طليقاً أم ملتزماً فإنه لا يسعى في الحالين وراء عبثية فارغة أو لعب ضائع سخيف، وإلا فإنه يفقد مقدماته الأساسية كفنان، ولا يصبح الحديث عنه أمراً له علاقة بالفن، وعندما نفترض هذه العلاقة غائية بين الفنان وفنه، فإننا نجعل منه صانعاً أو مصلحاً، ويكون عمله وظيفة أكثر من أن يكون إبداعاً. على أنه إذا كانت وقفة الفنان قصيرة وعابرة إزاء علاقاته السابقة، فإن وقفته أمام علاقته بالموضوع بقيت محرجة واستغرقت قروناً طويلة قضاها وهو لا يستطيع أن يطل برأسه إلى ما بعد الموضوع الذي بين يديه، بل بقي مقيداً به وخاضعاً له لا يستطيع مخالفته أو معاوضته وإلا فإن لعنة النقاد وسخط الناس لتخرجه عن نطاق الفن السوي، وتجعل منه إنساناً شاذاً أو رساماً مبتدئاً عابئاً، تماماً كما جرى لجماعة التأثريين أمثال مونيه وديفا وسيسلي رنوار وسيزان عندما رفضوا الرسامين وحرموهم من عرض لوحاتهم في العرض الرسمي.

1958*

* مؤرخ وفنان تشكيلي وأكاديمي سوري «1928 - 2017»