من الملاحظ أن فكر الصحوة ما زال حيًا في المجتمع، وهذا أمر له ما يبرره، عطفًا على العقود التي عاشها المجتمع يرسف تحت نير هذا الفكر النكد، ومن الملاحظ كذلك أن «الصحويين الجدد»، وجدوا لهم موضع قدم في المرحلة الجديدة، وإن كان أمرهم ظاهرًا بعض الشيء الآن، فإنه سرعان ما ستختفي تمامًا تلك الإشارات التي تدل عليهم مع الزمن، حتى يظهروا لنا بوجه شرس وأنياب حادة مع أي أزمة، وفي أي فرصة. وفي التالي سأنبئكم من ذكر (طغاة الصحوة) طرفًا، فقد كان زعماء الصحوة يكرسون في أذهان الأتباع، أن جزاء بذلهم «للصحوة» هو الجنة، ولذلك أخلص الأتباع، واحتملوا الأذى والتعب، والبذل على ضيق ذات اليد، وتجاوزوا رغباتهم ومصالحهم وواجباتهم، كله طلبًا لرضا الله والجنة، كما صور طريقها (الزعماء) صحويو الأضواء والأموال والشهوات، فقسم زعماء الصحوة الجنة إلى قسمين: قسم ادخروه في الآخرة، وقسم اعتبروه من عاجل تنعم المؤمن ومتعته، فكانت لهم دون الأتباع، القصور والدور، والأموال والسيارات، ناهيك عن النساء، إلى درجة أن بعضهم يكلف الوسطاء ليلتقطوا لهم الحسناوات في مختلف المناطق بأموال باهظة، هذا ناهيك عن مغيبات يهدين أنفسهن، أو مجرمين يهدون بناتهم وفلذات أكبادهم «للدعاة الطغاة» بلا وازع من عقل أو رحمة أو دين، وكما عبّر أحد هؤلاء «الدعاة الطغاة» بقوله: «ذقت الأعجمية والعربية من النساء، فما وجدت ألذ من... ’وذكر إحدى الجنسيات’»، فزواجاتهم التي تجاوزت العشرات، هو من النعيم المعجل، وسرقتهم لأموال التبرعات والصدقات، هو تصرف الحكيم، وما يصب في مصلحة «الصحوة»، وبه يتألفون الرجل الفاسق، ويتقون العدو الظاهر، حتى إن أحد (الطغاة/الدعاة)، نفح قريبًا له أصيب في حادث سير «مبلغ 400 ألف ريال سعودي» نقدًا، وآخر استلم «شرهة» مغلفة بكونها في سبيل أعمال الخير فاقت «25 مليون ريال»، ليفضحه بعد سنوات -من دون قصد- لصيقه الصحوي الآخر، وعبر تغريدة شهيرة أطلقها على رؤوس الأشهاد بأن تلك «الشرهة» الخيرية، تجاوزت المليار ونصف المليار، بعد استثمارها.

وفي فترة مضت، طالب جمع غفير باعتذار صريح من «طغاة الصحوة» عن تسويدهم حياة الناس، أعني الناس العاديين، الذي يعبدون الله تعالى، ولكنهم كانوا يأخذون نصيبًا مباحًا من الدنيا، وهذا أقل حق للمجتمع -أي الاعتذار- بعد المحاسبة والمحاكمة والعقاب، ثم العودة إلى سواء السبيل، غير أننا تناسينا فئة يطلق عليهم «طغاة الصحوة»: عوام الصحوة، وهذه الفئة بالذات فئة لا يتم الحديث عنها أبدًا بأي شكل من الأشكال، ولا يتكلمون هم عن أنفسهم إلا نادرًا، بحكم أن أفرادها تبعٌ «لطغاة الصحوة»، وبحكم أن ظاهرهم التدين الصحوي، وأنهم كانوا سوادًا من الناس يضغط بهم «طغاة الصحوة» لتكثيف الحضور الصحوي في كل بقعة ممكنة تطالها أرجلهم، وعلى رغم من أن دورهم لا يعدوا الحضور والهتاف، فإن «طغاة الصحوة» وذويهم وصلوا بهم وبأموالهم أبعد ما يمكن أن يصله أكبر التجار وأرباب الأموال، كما وصلوا بهم مكانة كبار القوم وربما أزيد.

ومن النادر الذي أشرت له شهادة أحدهم، والتي كتبها في أحد المنتديات تحت اسم مستعار هو «الجبل»، حيث يقول «بتصرف»: (كنا زمرة من «الهتيفة» المعجبين بمشايخ الصحوة، وكنا صغارًا ومتحمسين حتى بتقديم الهدايا للتعبير عن إعجابنا بهؤلاء المشايخ، كانت هدايا بسيطة على قدر ما نستطيع، وكل يقدم القربان لشيخه، وكانوا يعلموننا الصبر على الفاقة والعوز، والزهد في الدنيا، وكانوا يشجعوننا على الإقدام بتوزيع المناشير الضدية، الخاصة بالعلمانيين والحداثيين، أو النساء المطالبات بقيادة السيارة، أما أولادهم الذين هم من أقراننا وفي أعمارنا، فلهم التكريم والجلوس في المقدمات وصدور المجالس... لم نكن نعلم أنهم كانوا يحضرون ويخططون لكسب المال والجاه والمناصب والحضور الاجتماعي، وبحبوحة الحياة والترف المادي، وكنا نظنهم ما زالوا زهادًا بزخارف الحياة، حتى انكشف الغطاء، وشاهد الناس قصورهم الباذخة، وسياراتهم الفارهة، وحياتهم المرفهة، من السياحة في المالديف بكامل العائلة، إلى التفاخر بدراسة الأبناء في بريطانيا وأمريكا، أما نحن «الهتيفة» فبعضنا لم يقبل حتى في الجامعات المحلية... هؤلاء الذين تاجروا في الدين، واستحلبوه... هل يقبلون ولو بالاعتذار لنا -نحن المعجبين- عما شحنوا به عقولنا، من البعد عن زخارف الدنيا... ما أرخص الدين حينما يكون ثمنه سجادة صينية أو إيرانية...). أوردت هذه الشهادة، وأنا أعلم أنه قد يقول قائل: إنها شهادة مبهمة من مجهول حال، وأرد على ذلك: بأنني أصادق على كل حرف فيها، وأصادق على كل معنى جاءت، لأني رأيتها بنفسي، بل هي شهادة أشاحت عن جزءٍ بسيطٍ من الصورة المغطاة، وأكرر ما أقوله دائمًا عن الصحوة، وسير طغاتها: وما خفي أعظم.

على كلٍ، بعد أن انكشف غطاء «طغاة الصحوة»، أمام المجتمع والأتباع، رموا بورقة لم يشعروا بأنها الورقة الأخيرة التي تستر سوءاتهم، حينما لعبوا على وتر الفتوى الميسرة، فسهلوا ويسروا فتاويها ابتداء من مسألة الرمي قبل الزوال في الحج، وإزاحة مسألتي الغناء وحلق اللحى إلى خانة الصغائر، ثم الجواز لاحقًا، إلى مسائل هي من صلب الدين عندهم في القول القديم، قبل الاضطرار إلى التيسير والتسهيل والتسامح، الذي أضحى نهج الدولة والمجتمع.

أخيرًا، وبناء على ما سبق، يمكن تقسيم الصحويين إلى قسمين:

قسم: تنظيمي يعمل في مختلف الجهات والهيئات الحكومية الممكنة، ويندس في مواقع خيرية وفي أوقاف وفي مناشط مرخصة، بل ويعملون في مواضع لا يتوقع أن يوجد فيها صحوي، وهؤلاء يحتاجون إلى مكافحة وعمل دقيق وعميق.

وقسم: يحتاج إلى قرب الدعاة والوعاظ ذوي المناهج السليمة، كما يحتاج إلى احتوائه بالموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة، وليس التقريع بسبب اتباع الصحوة أو حبها، فحبهم للصحوة له ما يبرره، فلا تربية وطنية مناسبة مرت على أجيالهم، وليس لديهم الوعي الكافي لمعرفة مدى خطورة وسمية الفكر الصحوي، وربما كانت بدايات طريقهم إلى الله تعالى، وإلى التوبة والهداية في عرف المتدينين كانت من باب الصحوة، الأمر الذي يجعل الصحوة حاضرة في أعمالهم، وفي أمور حياتهم.