مثل عملي، يعبر عن حقيقة مشاهدة لا خلاف عليها، وصار حكمة لا تقبل القسمة على اثنين، وصيغه متعددة؛ «أصابعك ما هي بسوا»، و»أصابعك مو زي بعض»، يضرب به الناسُ المثلَ في الاختلاف بينهم في قدراتهم وطباعهم وتفكيرهم وآرائهم ونهجهم وطريقتهم وغير ذلك من فوارق.

أبدا لا يصح تعميم الأحكام على الناس، وإن كانوا من بلد واحد، أو من مدينة واحدة، أو أنهم ينتمون لدين واحد، أو مذهب واحد، أو يأكلون من طعام واحد، أو يلبسون شكلا واحدا؛ فالشخصيات تختلف في الطباع والتفكير والأخلاق والمضمون، ومنطق التعميم على الكل غير صحيح، لا من قريب ولا من بعيد، ولا يستخدم ذلك أهل الحكمة، الذين من الله تعالى عليهم بالبعد عن التعصب للدين أو القبيلة أو الفكر، ومن غير المنطقي أن نطالب أحدا بتسديد «فواتير» غيره، أو أن نأخذه بجرائرهم، أو أن نتصور أن الناس كلهم متطابقون، أو أن نوسّع دائرة موضوع محير ما، ونقول مثلا، كل أهل هذه البلدة، أو كل أصحاب هذا المذهب، أو كل الذين يلبسون هذا الشكل سيئون.

عن هذا الخلل الكبير، المعنيون بعملية التفكير البشري يقولون إن التعميم معيب وآفة، وأيّ عمليات من هذا النوع نتائجها محسومة لصالح مربع الزور والبهتان، والشرع الحنيف، والقرآن الكريم، اهتم كثيرا بموضوع عدم التعميم، ومن ذلك تصنيف أهل الكتاب من حيث الأمانة، كما قال تعالى في سورة آل عمران: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إِليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل}، فحتى إن كانت هناك صفات سيئة تجمع بينهم، لكن هذا لا يعني تعميم صفاتهم وأعمالهم، وفي موضع آخر، وكدليل آخر على عدم صحة تعميم الحكم، يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الزمر: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكر أولوا الألباب}.

الجادون في الحياة يعتمدون على أصول علمية في التفريق، أصول لا علاقة لها بالجنس ولا بالجنسية، ولا بالمظهر ولا بالمأكل، ولا بالدين ولا بالمذهب، لأنهم لا يغفلون عن أذهانهم قول خالقهم لهم ولغيرهم في سورة فاطر: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات}.

أختم، بأننا في أمس الحاجة إلى التخلص من عيب الأحكام التائهة، الذي إن تغلغل في العقول حطم الروابط، وأثر سلبا في الترابط، ناهيك عما سيحمله صاحب هذا المنطق من ذنوب الظلم والعدوان والكذب على من أكرمهم الله ببصيرة واستقلالية مختلفة، ووقعوا ضحية الذين لا يعترفون بمبدأ الفوارق، ممن يحاولون جعل أطوال الأصابع واحدة، وهذا لعمري أمر محال.