لا يختلف اثنان حال تطأ قدماك مطار الجوف الدولي، أو عند التوجّه إلى مدينة سكاكا، أو في أثناء الترجّل فيها، على أن ما تشاهده قد يخال لك تناقضا، استنادا للخلفية التي استطاع الغرب أن يغرسها في مخيلة المواطن العربي، وما انفكّ البعض، للأسف، يعملون على تكريسها خدمةً لمخطط تغريبي يدحض كل قيم الأصالة والحضارة، ليستبدل بها قيما غربية هجينة وافدة ومكتسحة للجسم العربي.

لكن هذا التناقض بين ما وصل إليه النفاذ إلى التكنولوجيا، والبنية الصحية، وازدهار المعمار كأرقى مظاهر التمدّن، وبين التمسك الواضح والجلي بمظاهر البداوة الأصيلة، هذا التناقض السريالي سيصبح حقيقة لولا التمعن أكثر في الحياة اليومية لأهل الجوف عموما، وسكاكا خصوصا.

ما تلاحظه هو مراوحة بين الأصالة والانفتاح في بيئة متصالحة مع موروثها الحضاري، ومع رغبتها في الانفتاح على العالم من خلال أرقى تمظهراته التكنولوجية والعمرانية والصحية.

وعند السؤال عن الأسباب، يتضح بالكاشف أن تعلّق السكان بالأرض كأحد أعمدة تشكّل الهوية السعودية هو من بين أسباب هذا الثبات في الدفاع عن أحد مقومات الهوية، ونعني هنا القيم الثقافية والعادات والتقاليد والتراث الشعبي. كما أن الرغبة الجامحة في ركوب قطار العصر، ودخول الحضارة الكونية من بابها التكنولوجي، لن يزيد إلا في تأكيد انخراط الجميع في مسار وطني جامع من أجل التحوّل نحو مجتمع حيوي يعتزّ بهويّته الوطنية النابعة من القيم الإسلامية، ومتمكّن من أرقى آليات ووسائل الحضارة التي ابتدعها الإنسان، للحفاظ على كرامته، واستجلاب دعائم التنمية الشاملة والمستديمة.

إن للزائر إلا أن ينبهر بهذا التحوّل الحاصل، وأن يدرس الأسباب والمسبّبات، ناهيك وأن أشواطا كثيرة من العمل لا تزال مطروحة على طاولة المسؤولين في المنطقة، وعديد القضايا والمشاغل على الجميع العمل من أجل إيجاد حلول مستديمة لها.

* كاتب تونسي مقيم في سكاكا