(1)

للميت أمام الأحياء أربع حالات: تبجيله بذكر المحاسن فقط، وتحقيره بذكر المساوئ فقط، والإساءة الشخصية، والنقد الموضوعي.

(2)

يهمنا هنا الإساءة غير الموضوعية، أو لنقل «التواقح» مع الميت، وهذه رذيلة وجبن وعار، فكلنا ذاك الذي خلط صالحا وسيئا، وحين يتم نقد «من أفضى إلى ما قدّم» يجب أن يتم بشرف، وفي إطار «الحقائق» ليس إلا!

(3)

الفجور في الخصومة مرض نفسي، و«التواقح» مع الميت مدح ضمني له، فضلا عن أنه لا يصدر إلا من أنفس معتلة. الخصم «الوقح» مفلس سهل ضعيف، ثم أن «التواقح» يؤذي الأحياء، بل يؤذي - حتى - الشرفاء من خصوم الميت.

(4)

رفض أبو جهل أن يُكسر باب محمد -صلى الله عليه وسلم- قائلا: «لا تتحدث العرب أن أبا الحكم رَوّع نساء محمد». أما عبدالله بن الزَّبْعري، شاعر قريش الأول، الشديد الضراوة في عداء المسلمين قبل إسلامه، فقد قال بعد غزوة أُحد: «كم قتلنا من كريم سيّد.. ماجد الجدين مقدام بطل».

وقال جرير راثيا الفرزدق:

لعمري لقد أشجى تميما وهدها *** على نكبات الدهر موت الفرزدق

عشية راحوا للفراق بنعشه *** إلى جدث في هوة الأرض معمق

لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي *** إلى كل نجم فـي السماء محلق

(5)

وتتعجب ممن يقرأ «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ» كيف يتمادى ويذكر الميت بشكل يسيء له قبل أن يسيء للميت، فشرف الخصومة ليس بالأمر الصعب، فهو فروسية وسمو وأخلاق وتربية رفيعة.

(6)

احترام الميت فرض وليس فضلا، والتعرض لسيرته بنقد موضوعي شرف، ويدل على علم ومعرفة وإنصاف وعدل، والإعراض عن الميت أشرف، تماما كما تدل الإساءة على جهل واعتلال وسوء أخلاق وإسفاف وابتذال.