تتواصل الحرب الإسرائيليّة على غزّة فصولاً، ولدى إعداد هذه المقالة تكون قد دَخلت شهرها الرّابع. لقد اتّسمت هذه الحرب بوحشيّتها المفرطة، هدفها الانتقام والترويع والقتل لمجرّد القتل، بحيث تحوّلت إلى حربِ إبادةٍ جماعيّة لشعبٍ خاضع للاحتلال، من دون أن يكون لها هدفٌ واقعيّ يَرسم مَعالِم "اليوم التالي". لقد كُتب الكثير حتّى الآن عن هذه الحرب ومُسبّباتها وأبعادها وتداعياتها. ونكتفي هنا باستخلاص بعض الاستنتاجات الأوّليّة.

لم تأتِ عمليّة طوفان الأقصى، التي انطلقت منها شرارة هذه الحرب، من فراغ. فهي محصّلة طبيعيّة لعقودٍ من القهر والعسف والظلم والتهجير والقتل والاعتقالات وتدمير المنازل وسرقة الأراضي وانسداد الأُفق وخَنْق الأمل بالعودة وبقيام الدولة ذات السيادة، الأمل بالمستقبل الطموح للأجيال الشابّة من الفلسطينيّين وبالحياة الطبيعيّة التي يصبو إليها كلُّ شعب.

لقد أَعادت هذه الحرب القضيّة الفلسطينيّة إلى جدول الأعمال عالميّاً وإقليميّاً، بعدما كاد يطويها النسيان. أعادت طرحها بوصفها القضيّة الأولى التي يستحيل إحلال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من دون إيجاد الحلّ العادل لها. فتراجَعت مشروعات التطبيع ومُحاولات فرْض إسرائيل كمكوِّنٍ "طبيعي" في نسيج المنطقة وشعوبها. فالوحشيّة في التعامُل مع الشعب الفلسطيني وأعمال الإبادة الجماعيّة التي تُمارَس بحقّه، والتأييد الذي تحظى به هذه السياسة، والذي يصل إلى حدّ الإجماع في المُجتمع الإسرائيلي، بحيث زالتِ الفوارق بين يمينٍ و"يسار" مزعوم، بين متطرّفين و"مُعتدلين"، بين متديّنين وعلمانيّين في العداء للشعب الفلسطيني، وسادت الرغبة في إبادته وتهجير مَن يبقى منه على أرضه، والسيطرة المُطلقة على كلّ أراضي فلسطين التاريخيّة، كلّ هذا التطرُّف الإسرائيلي المُطلق يجعل أيّ حديث عن حلٍّ "سلمي" مجرّد سراب. ويُصبح الحديث عن حلّ الدولتَيْن، الذي عاد المُجتمع الدولي لطرحه بوصفه الحلّ السحري للعقدة المُستعصية، مجرّد وهْم غير قابلٍ للتحقيق. وذلك، على الأقلّ، لأنّ الإسرائيلي نفسه صارَ يُعلِن جهاراً وعلى ألسنة كبار المسؤولين عن رفضه، بحجّة أنّ وجود دولة فلسطينيّة، حتّى ولو كانت منزوعة السلاح منقوصة السيادة، تُمثِّل خَطَراً وجوديّاً على إسرائيل. علماً أنّ السياسات التوسُّعيّة التي مارستها كلّ الحكومات الإسرائيليّة منذ اتّفاق أوسلو، من إنشاء المستوطنات وتوسيعها في الضفّة الغربيّة، جعلتْ من إنشاء دولة فلسطينيّة أمراً مستحيل التطبيق.

لقد أَظهرت هذه الحربُ "إسرائيل" على حقيقتِها، وعرَّتها من آخر أوراق التوت، بوصفها "واحة للديمقراطيّة وامتداداً للحضارة الغربيّة وجزءاً مكوّناً منها". فللمرّة الأولى تُصبح إسرائيل والمُجتمع الإسرائيلي مَوضع إدانة على نطاقٍ واسع في العالَم، وتَقِف متَّهَمَةً بالإبادة الجماعيّة أمام منظّمة العدل الدوليّة، ومن المُنتظر مواجهة مُحاكمات مُماثلة أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة يُمكن أن تحوِّل عدداً من قادتها السياسيّين والعسكريّين إلى مُلاحَقين أمام القضاء الدولي. هذا التحوّل الكبير في المزاج السياسي والشعبي العامّ في العديد من بلدان العالَم، الغربيّ في الدرجة الأولى (وهو أمر ينطوي على دلالة كبيرة)، لم يُرافقه، للأسف الشديد، تحوُّلٌ مُماثِل على المستوى الشعبي العربي والإسلامي. فالتحرّكات المندِّدة بالجرائم الإسرائيليّة على مستوى الشارع العربي، ظلَّت دون المستوى الذي يُحاكي حجْم الكارثة، ولا تُقارَن بالاحتجاجات التي شهدتها وتشهدها لندن، مثلاً، وكذلك بعض المُدن الأميركيّة والأوروبيّة. وهذه حقيقة مُحزِنة لا بدّ من الاعتراف بها.

كشفت هذه الحربُ عن مَواطِن الضعف والخَللِ في المُجتمع والجيش والبيئة السياسيّة في الكيان الصهيوني. فعلى خلاف المُستوطنين الأوائل الذين جاؤوا إلى هذه الأرض مدفوعين بمُعتقداتِ أسطورة "أرض الميعاد" وأوهامها، تكوّنت مَوجاتُ الوافدين الجُدد، ابتداءً من ثمانينيّات القرن المنصرم خصوصاً، من باحثين عن "العيش الرغيد" في دولةٍ حقَّقَ اقتصادُها خلال العقود الثلاثة الأخيرة قفزاتٍ نوعيّة كبيرة، ولاهثين وراء التسهيلات والتقديمات السخيّة التي تقدّمها هذه الدولة لكلّ يهودي راغبٍ بالحضور. هؤلاء لا شيء يربطهم بالأرض التي وَفدوا إليها مُستعمِرين، وهُم ليسوا مستعدّين للتضحية بحياتهم دفاعاً عنها. وامتلاك غالبيّتهم الجنسيّة الثانية يُمثِّل خشبةَ خلاص، يُسارِع الكثيرون للإفادة منها اليوم. فللمرّة الأولى في تاريخ الكيان تزيد أعداد المُغادرين على أعداد الوافدين.

أَظهرت الحربُ عقمَ القيادة السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، العاجزة عن وضْعِ أهدافٍ واقعيّة لحربها على الفلسطينيّين. فما تُعلنه من أهدافٍ لهذه الحرب هي مجرّد أوهامٍ وأمانٍ غير قابلة للتحقيق، وليست أهدافاً استراتيجيّة. الجيش الإسرائيلي يذهب إلى الحرب هذه المرّة لمجرّد القتل والتدمير. أي على حدّ قول أحد المُعلّقين: "الجيش الإسرائيلي يَقتل ولا يُقاتل". فالتغوُّل والتدمير والهمجيّة في القتل التي لا حدود لها، هدفها الترويع فقط وجعْل غزّة أرضاً غير قابلة للحياة، على أمل إرغام الشعب الفلسطيني على الرحيل. والإسرائيليّون لا يخفون أنّ هدفهم هو التطهير العرقي وجَعْل غزّة، وربّما فلسطين كلّها، أرضاً بلا شعب. وهي كما قلنا أوهامٌ تتكسّر على إرادةِ شعبٍ متجذّر في أرضه بصمودٍ أسطوريّ لا مثيل له.

إنّ تداعيات الحرب تطال اليوم كلّ مناحي الحياة في إسرائيل، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة. لقد ولّى الزمن الذي كانت إسرائيل تخوض فيه حروبها على أرض الآخرين، في حين يُواصِل شعبُها حياتَه العاديّة. فللمرّة الثانية، بعد حرب تمّوز/ يوليو 2006 في لبنان، يَجِد الجيشُ الإسرائيلي نفسه عاجزاً عن حسْمِ المعركة في حربٍ خاطفة تدور على أرض "العدوّ". أرضه هذه المرّة هي جزء من ساحة القتال. وللمرّة الأولى يذوق المُستوطنون الصهاينة لوعةَ النزوح، فيضطرّون للفرار من مستوطناتهم وأماكن سَكنهم.

إنّ إسرائيل وقيادتها السياسيّة والعسكريّة في مأزقٍ استراتيجي. فهي، من جهة، عاجزة عن تحقيق ما وضعته من أهداف. إنّها غير قادرة على المضيّ في حربٍ لا نهاية لها. فهذا أمر لا طاقة للمُجتمع الصهيونيّ عليه. وهي، من جهة أخرى، تتهيَّب وقْفَ الحرب في منتصفها من دون تحقيق ولو "صورة نصر". فهذا معناه الهزيمة التي ستكون لها تداعياتٌ كارثيّة على إسرائيل الدولة والمُجتمع، وعلى مُستقبل وجود الكيان بحدّ ذاته.

مرّةً أخرى تكشف الحرب عن عجْز الأُمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي وسائر مؤسّسات وهيئات المنظّمة الدوليّة عن القيام بدورها المفترض. فتبقى هذه المنظّمة، ومجلس الأمن الدولي تحديداً، رهينة للموقف الأميركي الدّاعم للعدوان الإسرائيلي بصورة مطلقة. وتبقى إسرائيل، مستقويةً بهذا الدّعم، طليقة اليدَيْن في عدوانها ومُستخفِّة بكلّ قرارات الأُمم المتّحدة رافضة تطبيقها.

إسرائيل مهزومة استراتيجيّاً

إذاً، بعد مرور أشهر على بداية العدوان، تبقى إسرائيل عاجزةً عن تحقيق أيٍّ من أهدافها المُعلَنة. ولكن، حتّى ولو قُدِّر لها تحقيق بعض النجاحات التكتيكيّة، فهي مهزومة على المستوى الاستراتيجي. وهي برفْضِها أيّ حلول وسط، وخَيار الدولتَيْن، بوصفه أحد تلك الحلول الوسط المُفترَضة، أو محاولتها الهروب إلى الأمام بتوسيع نطاقِ الحرب وتحويلها إلى حربٍ إقليميّة شاملة (وهو احتمال قائم بنِسبٍ عالية) بهدف جرّ الولايات المتّحدة إلى الانخراط فيها، باعتبار أنّ هذا الانخراط يحقّق لها الغلبة، تكون قد حَشرتْ نفسَها في وضعٍ لا مَخرج منه. وهي، عندما تَطرح المسألة على أنّها مسألةُ صراعِ وجود، على طريقة "إمّا نحن وإمّا هُم"، تكون قد حكمتْ على نفسِها بالهزيمة مسبقاً. ورأيُنا هذا مَبنيٌّ على حقائق وقوانين الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ. وهي حقائق وقوانين ليس بوسعِ أحد إلغاؤها أو القفز فوقها.

حقائق الجغرافيا: لقد ظهر المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينيّة بهدف إقامة رأس جسر وقلعة للغرب، المُمثَّل ببريطانيا بداية، ثمّ الولايات المتّحدة وباقي الغرب الجماعي لاحقاً، في قلب العالَم العربي. ظَهَرَ هذا المشروع مع بداية بروز الشعور القومي العربي والنهضة العربيّة وطموحات رموز هذه النهضة لإحياء الكيان العربي الموحّد وإقامته بعد قرون من الانكفاء والانكسار والخضوع لإرادةٍ غير عربيّة. فكان لا بدّ من مشروعٍ أو مشروعاتٍ استعماريّة غربيّة لخنْق هذا الحُلم في المَهد. كما أنّه ظهرت وقتذاك المُعطيات الأولى عن احتواء باطن بعض الأراضي العربيّة لثرواتٍ كبيرة من النفط والغاز، سال عليها لعابُ آباء الإمبراطوريّة البريطانيّة، فسَعتْ إلى خلْق الظروف الكفيلة بوضع اليد عليها. فكان اتّفاقُ سايكس بيكو لتقسيم المنطقة إلى دويلات، والسيطرة عليها من خلال نظام الانتداب. كما كان المشروع الصهيوني بهدف زرْع كيانٍ غريب في قلب العالَم العربي، يكون بمثابة حاجزٍ يَقطع التواصل بين شرقه وغربه ويَمنع تحقيق الوحدة المُفترَضة بين أجزائه. لقد نجحتِ الإمبرطوريّات الكبرى في حقبة سابقة في منْع تحقيق هذه الوحدة، عندما اجتمعتِ الإمبرطوريّات البريطانيّة والفرنسيّة والروسيّة لتقديم العَون للإمبرطوريّة العثمانيّة، على الرّغم من تناقضاتها وعدائها التاريخي معها، لخنْق محاولة محمّد علي باشا توحيد مصر وبلاد الشام في دولة فتيّة واحدة. وجاءَ المشروع الصهيوني ليَمنع تجدُّد أيّ محاولة من هذا النَّوع. وهو الدَّور الذي لا يزال يلعبه اليوم. بيد أنّ نظرةً واحدة إلى الخارطة تُظهِر هذه النقطة الصغيرة التي تُمثّلها إسرائيل في عالَمٍ عربيٍّ مُترامي الأطراف. هذا البحر المُترامي لا بدّ أن يجرفها ويزيلها عندما تزول مقوّمات "صمودها". وهذا "الصمود" نابع من سطوة القوى الغربيّة التي خَلقتها ومَنحتها ولا تزال تمنحها مقوّماتِ الاستمرار. ونحن نرى اليوم بداياتِ أفولِ السطوة الغربيّة المستمرّة منذ أكثر من أربعمئة سنة. وهو أفولٌ حتميّ تفرضه قوانين التاريخ، قوانين صعود الإمبراطوريّات وأفولها.

واقع الديموغرافيا: يتساوى تقريباً عددُ اليهود في إسرائيل مع عدد الفلسطينيّين على أرض فلسطين التاريخيّة. لقد نَمَتْ أعدادُ الجماعتَيْن بوتائر سريعة في الحقبة التي تَلت قيام دولة إسرائيل. بيد أنّ ثمّة فارقاً جوهريّاً في أسباب هذا النموّ لدى كلٍّ منهما. فقد كان نموّ أعداد اليهود مُصطنَعاً، غذَّته مُغرياتٌ وحوافز وتسهيلات لا حدود لها من قِبل الحركة الصهيونيّة العالَميّة وأذرعتها، وكذلك بفعل عوامل خارجيّة نتيجة هجرة اليهود المنظَّمة من مُختلف بلدان العالَم. وحقَّق هذا النموّ قفزةً كبيرة عقب تفكُّك الاتّحاد السوفياتي، حيث وفدَ إلى إسرائيل في تسعينيّات القرن المُنصرم ما لا يقلّ عن مليون ونصف المليون مُهاجِر يهودي من مُواطني الجمهوريّات السوفياتيّة السابقة. ولهذا النموّ غير الطبيعي سقفٌ يصعب تجاوزه، ولا بدّ أن ينضب مَعينه، ولاسيّما إذا أخذنا في الحسبان معدَّل الخصوبة المُنخفض في المُجتمع اليهودي غير المُتديّن.

في المقابل، فإنّ النموّ الديموغرافيّ الفلسطينيّ هو نموّ طبيعي. نتيجة نسبة الإنجاب العالية في الوسط الفلسطينيّ، والذي له أسبابه التاريخيّة والاجتماعيّة، والسياسيّة أيضاً، والتي تتعلّق بالثقافة الإنجابيّة الفلسطينيّة التي تُحافِظ على معدّل خصوبة عالٍ، مُقابل الثقافة الإنجابيّة اليهوديّة التي تتّسم بمعدّل إنجابٍ منخفض. ويشكّل سلاح الإنجاب، أو كما يسمّيه بعض الباحثين، "المقاومة بالإنجاب" أحد الأسلحة التي يستخدمها الفلسطينيّون في صراعهم المتواصل مع الاحتلال الصهيوني وفي مُواجَهة تدفُّق اليهود من الخارج إلى أرض فلسطين التاريخيّة، والتعويض عن خسارة الآلاف من الشهداء الذين يسقطون نتيجة الحروب والاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة. إنّ استمرار هذَيْن الاتّجاهَيْن المُتعاكسَيْن في معدّلات النموّ السكّانيّ سيؤدّي حتماً في السنوات المُقبلة إلى تبدُّلٍ في الميزان الديموغرافي على الأرض الفلسطينيّة لمصلحة الفلسطينّيين. وهذا أكثر ما يؤرق الصهاينة وصنّاع السياسة في إسرائيل. من هنا المُمارساتُ الإسرائيليّة المتطرّفة والوحشيّة الرامية إلى قتلِ أكبر عددٍ من الفلسطينيّين، ومشروعاتُ التهجير المُعلَنة، وسياسةُ التطهير العرقي بحقّ الفلسطينيّين. بيد أنّ هذه المشروعات ستفشل نتيجة صمود الشعب الفلسطيني الأسطوريّ وانغراسه بأرضه. وهذا ما يُعمِّق من مأزق إسرائيل الاستراتيجي.

.. وقوانين التاريخ: قوانين التاريخ راسخةٌ لا تتبدّل، وليس بوسع أيّ قوّة، مَهما عظمت، وقفها أو تغييرها، وإن استطاعت تأجيل مفاعيلها مؤقّتاً في حقباتٍ تاريخيّة معيّنة. فقوانين التاريخ وأحداثه تُعلِّمنا أنّ ما من استعمارٍ استمرّ إلى الأبد. لقد كانت نهاية كلّ التجارب الاستعماريّة حتميّة، ربّما باستثناء الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في أميركا الشمالية وأستراليا، حيث نَجَحَ الأنغلوسكسون في إبادة الشعوب الأصليّة في تلك القارّتَيْن. وهو ما فشلَ الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في تحقيقه في الجزائر نتيجة صمود الشعب الجزائري ومقاومته البطوليّة للمُستعمِرين. والصليبيّون أيضاً مَكثوا في منطقتنا قرابة المئتي سنة، وأين هُم الآن؟ العثمانيّون حَكموا البلاد أربعة مئة سنة ونيّف، ثمّ انحسروا إلى حدود الدولة التركيّة الحديثة. ولن يكون مصير المُستعمِرين الصهاينة مُختلفاً. لقد كان المشروع الصهيونيّ، كما ذكرنا، غربيّاً في الأساس، واستمدّ قوَّتَهُ واستمراريَّتَهُ من سطوة الغرب وجبروته. ولسوف تتبخّر هذه القوّة مع أفول القوّة الغربيّة. من هنا اليقين الرّاسخ بحتميّة زوال الكيان الصهيوني. وهذا ما تُدركه أوساطٌ وشخصيّاتٌ "حكيمة" في المُجتمع الإسرائيليّ نفسه، تتحدّث اليوم بصراحة عمّا تسمّيه "عقدة الثمانين". بمعنى أنّ ما من دولة يهوديّة عاشت أكثر من ثمانين سنة عبر التاريخ. وإسرائيل المُعاصِرة على موعدٍ مع هذا القدر.

من كلّ ما تقدّم يُمكن القول إنّ إسرائيل مهزومة استراتيجيّاً، بحُكم قوانين التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا. وقَبل كلّ شيء، بفضل نضال الشعب الفلسطينيّ وصموده الأسطوريّ واستحالة إبادته أو إرغامه على النزوح عن أرضه، بفضل تمسُّكه بهذه الأرض وجذوره الرّاسخة فيها التي تمتدّ عميقاً في التاريخ.

*باحث في الشؤون الاقتصاديّة - لبنان

* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإكترونية