تقول طبيبة نفسيّة، أنها لم تكتشف شغفها المهني إلا في السنة السابعة (الامتياز الطبي)، بعدما رافقت دكتور آخر أثناء زيارته اليومية لمرضاه والاطمئنان على صحتهم، هنا وجدت ميولها المهنية في الوقوف إلى جانب المرضى والأخذ بأيديهم إلى مستقبل أفضل عبر بوابة الأمل ونافذة الوعي، حيث ضرورة التعامل مع المرض بطريقة إيجابية تسهم في تقريب التعافي بعون الله. و على الرغم من أنّ معظم طلاب الطب عموما يتجهون إلى تخصصات فسيولوجية صرفة (مثل الباطنية، و العيون، والعظام، والأسنان) متعلقة بجسد الإنسان، إلا أنّ الدكتورة وجدت شغفها في مكان آخر متعلق بجسد ونفس الإنسان في آن واحد حيث ترجمت معارفها و ميولها المهنية في برامج التواصل الاجتماعي، و حاز برنامجها على مراكز متقدمة في الوطن العربي. كل هذا الإنجاز حصل بفعل قوّة كامنة تدعى (الشغف) .

عرّف فاليراند الشغف: أنه الرغبة القوية عند الشخص للقيام بعمل ما مع بذل المزيد من الجهد والوقت لتحقيق الأهداف المرسومة. و يشير بعض الباحثين إلى أنّ معرفة الشغف تحتاج إلى مجموعة من الملاحظات والإدراكات المعرفيّة مسبقا قبل أي ممارسة مهنية، و هي على النحو التالي:

1- عندما يتناول الناس مفهوم الشغف فهم يقصدون في الغالب الشغف المهاري، وهذا لا يتنافى أبدا مع وجود ميولات معرفيّة أو مهاريّة في مجالات أخرى.

2- معرفتك لشغفك لا يعني أبدا وصولك للسعادة المطلقة بل يعني أنك قد اقتربت من المهارات الوظيفيّة التي ترغب في ممارستها لتطوير وضعك اقتصاديا بشرط أن تكون قدراتك متوافقة مع طموحك الوظيفي (فلا يتوقع منك أن تكون معلما وأنت لست حليما أو طبيبا وأنت لا تحب الجراحة في أبسط صورها) .

3- ربما يحتاج الشغف إلى ممارسة المهنة للتعرف عن قرب على نقاط ضعفها و قوتها قبل التعجل باتخاذ أي قرار غير مدروس يكلفك عمرا مهنيا مليئا بالحسرة، فلا يكفي أن تكون شغوفا بالطب لمجرد حضورك في مؤتمر طبي بقاعة خمس نجوم وتسهيلات الحياة تلمع في كل زوايا القاعة بل يجب أن يكون قرارك مبنيّا على اختبارات مقياس الميول من جهة وحضورك الميداني ومعرفتك بالخطة الأكاديميّة التي تصنع الأطباء علميّا ومهاريّا من جهة أخرى.

4- معرفتك لشغفك بشكل مبكر رائع جدا، ولكن هذا لا يعني أنه سنة كونية أبديّة فقد يبدو لك أن تضم إليه شغفا آخر يتمم معارفك وخبراتك ويرفع من مستوى جودة حياتك و ليس بالضرورة أن يكون الشغف أحادي الجانب بل قد يكون مركبا فقد تكون مهندسا و شاعرا في آن واحد و طبييا و رساما أو معلما و مبرمجا في الوقت ذاته.

5- معرفة الشغف المهاري ليست مستحيلة كما أنها ليست سهلة، فالشغف في حد ذاته يحتاج إلى شغف (القراءة عن كيفية اكتشافه)، فلا بد أن تبذل مجهودا يتناسب مع طموحاتك.

6- معرفتك لشغفك لا يعني مطلقا بأن تذوب فيه ويذوب فيك على حساب الجوانب الأخرى، فشغفك في الميكانيكا يجب أن لا يكون على حساب الجوانب الروحية والعائلية والجسدية والمعرفية في حياتك (عش بتوازن) .

7- تخلص من لعبة الوهم في البحث عن شغفك و لا تكن إحدى ضحايا قنوات التواصل الاجتماعي، فكثير من الأشخاص لا يفرق بين الشغف الاستحواذي (الذي لا يتحكم به الفرد و يؤثر سلبا على جوانب الحياة) والشغف التناغمي ( يمكن التحكم به و لا يؤثر سلبا) و لا يفرق بين الهدف من وجودك في الحياة و الهدف من وظيفتك التي تحسّن من مستوى الحياة .

8- عند التغيير الضروري و الضروري جدا من شغف مهاري إلى آخر لا تستغن عن استشارة الخبراء و الحكماء من جميع الأطراف في المجال الوظيفي و تأنى في اتخاذ قراراك ( أن تخرج من وظيفتك الهندسية الى ممارسة مهنة أخرى بدون دراسة جدوى أمر يستحق التريث كثيرا) .

9- قد تعطي لك الاختبارات المهنية مؤشرا واضحا على ميولك المهني لمهنة ما و هذا حسن و لكن الأحسن أن تتصف بالمرونة قليلا لكي تكون قريبا من الوفرة الوظيفية (فإذا كنت محبا للطب على سبيل المثال فلا بأس من تغيير تخصصك من تخصص الأسنان إلى تخصص آخر والعكس صحيح_ بناء على الاحتياج الوظيفي و هكذا في التخصصات الأخرى).

كيف أعرف شغفي المهاري؟

من خلال معرفتك بـ 3 أشياء مقترحة:

1- الممارسات المهنية التي ترغب في ممارستها الآن ومستقبلًا.

2- اختبارات مقياس الميول المهني ( عبر نظام نور بعد الصف الأول الثانوي و منصة سبل).

3- المعايشة الميدانية والاطلاع الكافي على طبيعة المهنة عن قرب.

* يحيى ناصر الجاسم