تخيل أن تخرج في صباح يوم إجازتك الأسبوعية خالي البال، صافي الذهن، فرحًا بالراحة والاستراحة، وجمال الصبح وهدوئه، تسير لا شي يشغلك ولا شيء يقلقك أو يعكر مزاجك، تمشي على طريق إسفلتي يأخذك غير بعيد عن البحر، وأثناء سيرك على الطريق يعبر قطيع غنم الشارع من جهة إلى أخرى، تبطىء من سرعتك قليلًا، وتتجاوزه إلى الأمام ثم تقف يسارًا على الطريق تمامُا ظاهرًا واضحًا لكل عابر في مكان اعتدت أن تضع فيه بقايا الطعام، تضعها لا تستهدف جنسًا بعينه، فهي عامة للدواب والهوام والطيور والحشرات، وذلك خير من كفر النعمة ووضعها في براميل القمامة، تضع ما تحمله من الطعام في المكان، ثم تأخذ الأكياس معك حرصًا على عدم تلويث المكان بالمنتجات البلاستيكية، تفعل ذلك بنفسٍ راضيةٍ وجسدٍ مرتاح ثم تغادر المكان سائرًا ببطء، فيتبعك شابان على دراجة نارية صادفتهما على الطريق قبل عبور ذلك القطيع من الغنم، يتبعانك وأنت تراهما خلفك يناول الشخص الثاني قائد الدراجة جواله فيوجهه نحو السيارة، كل الأمور توحي بأنه كان يلتقط صورة للوحة السيارة، تقول في نفسك ربما كان غير ذلك فبعض الظن إثم وتبقى تسير رويدًا رويدًا غير آبه بذلك ثم يحاذيانك فيستوقفانك فتقف، ثم تتفاجأ بسؤالهما الموجه لك (ما هو معاك عند امغنم؟!!)

فتعتريك الدهشة والذهول من السائل والسؤال!! فتجيب ألا شيء لي بها ولا حاجة، فيقول كيف وقد وضعت لها ما تجتمع عليه من بقايا الطعام؟ يقول ذلك وكأنك خرجت قاصدًا إطعام ذاك الغنم، ثم يستمر في حديث يبدو أنه اتهام، ولكن ليس ثمة جرم أو خطيئة!! إذا مالذي يحدث؟ حوار بين النفس والعقل يبقي أثر الصدمة والذهول واضحًا، فلا تكاد تربط شيئًا بشيء!! ولا تدري ما يحدث حلم أم واقع؟ أين ذهب هدوء الصباح وصفاء الذهن وراحة البال؟ وهل كان في الاعتقاد أن يحدث ما حدث؟ وكيف للشر أن يأتيك من حيث لا تحتسب؟

كان أحدهما يدعي أن هذا دأب السارقين، إذ إنهم يضعون الخبز فتأتي عليه الأغنام ثم يقومون بالسرقة، هم يرونك لصًا سرقت أنعامهم ومواشيهم، لم يروك تأخذ شيئًا منها، بل شاهدوك تضع طعامًا تحت ظل شجرة لمن كان ذلك رزقه من خلق الله، هم يتهمونك لأنهم رأوا - حسب الروايات - شخصًا ذات مرة يضع خبزًا فاجتمعت عليه الأغنام فهمّ بأخذ واحدٍ منها فتبعوه ولكنه هرب ولم يلحقوا به، ورغم الاختلاف بين الحدثين في بعض التفاصيل المهمة إلا أنهما وضعاهما في قالب واحد جهلًا وظلمُا وعدوانًا.

ثم يختار لك كبيرهما أين ترمي بقايا الطعام، يحدد لك الخيارات على الرغم من أنه لا يملك الأرض، وأنك لم تعتدي على ملكه، والآخر يطلبك أن (ابعد عن الشر وغني له) ولم يحدد أي أغنية تغنيها!! وكأنه يراك كل ليلة تقيم حفلة غنائية بجوار شبك أغنامه، فتتفاعل أغنامه مع الطرب وتتراقص، ويخشى عليها الفتنة والضلال والسرقة!!

مضى الاثنان والشك يعتريهما بل أكاد أجزم أنهما في يقين نفسيهما يقولان هذا هو ليس غيره، فالدهشة والصدمة التي بقيت ملازمة له عززت من شكوكهما المبنية على استنتاجات سخيفة ركيكة دون بينة كافية.

ثم ما ذنب الأبرياء إن كان البعض يطلق أغنامهم دون راعٍ، أليست هذه خطيئة يتحملونها هم وليس غيرهم؟ ثم كيف بالرعي في مواقع تمنع الدولة الرعي فيها وتجرمه؟ أليس ذلك مدعاة للعقوبة؟!!

عجبا كيف لبشر أن يتهم آخر دون تثبت؟!! وكيف يكتفي البعض باعتماده على قياس غبي؟ لم ينل من خلاله إلا ضيقًا وكربًا ألحقه بقلب إنسان دون وجه حق؛ فلجأ إلى الله يدعو ربه أن ينزل بهما أضعاف ما أنزلا به من هم وحزن وضيق وكرب.

إن اتهام الناس بالباطل ظلم وافتراء، وإثم وعدوان، ولا يحل لمسلم أن يفعل ذلك أبدًا، كما أن وقوع الإنسان في مصيبة وظلم لا يُحل له أبدًا أن يظلم بريئًا أو أن يضره.

ستظل تلك العصافير والطيور والحشرات وربما الدواب أيضا تنتظر الطعام في ذات المكان وهي في مأمن من كل شر بإذن الله، والله المستعان.