تشكو "أم صالح" من جفاء أفراد العائلة لمائدتها، وتتساءل قائلة "أين أفراد عائلتي؟ ، أين جو الفرحة والبهجة واللمة الذي كان يرفرف على مائدتي المتواضعة ؟"، هذه الشكوى تتكرر كثيرا بين العديد في الأسر، بعد أن أصبح معظم الأبناء يفضلون تناول الوجبات بشكل فردي.

وتضيف أم صالح "ما أن كبر صغاري حتى شعرت أن عائلتي كانت كالعقد المنظوم تبعثرت في كل مكان، فهذا "صالح" يتناول وجبته خارج المنزل، وهذا "محمد" يتناولها على عجل من أواني الطهي أثناء مروره بالمطبخ، و"سعاد" تأمر العاملة المنزلية بإعداد الشطائر السريعة، أما "ثريا" فتمر مسرعة على المطبخ، وتأمر العاملة المنزلية بترك الأكل لها في حافظة ريثما تستيقظ من نومها، بينما تتقاعس "منى" عن النزول إلى المائدة في الدور السفلي، ويعلو صوتها بضرورة إحضار طعامها إلى غرفتها.

وتتابع بحرقة "اعتدنا أنا وزوجي على تناول الوجبات وحيدين، بعد أن افتقدنا للمة العائلة عندما كان الأبناء صغارا، يطلقون صيحاتهم، ويمارسون شغبهم الطفولي الجميل، نشتاق كثيرا إلى تناول الأكل جميعا على مائدة واحدة "

بضع دقائق

الستينية "أم سعد" لم يختلف حالها عن حال سابقتها ، حيث تقول "في الماضي كنت أسعد بتواجد جميع أفراد عائلتي على سفرة واحدة، وأبتهج بوجودهم حولي، خاصة عند حضور ابني المتزوج "سعد" ، الذي كانت زوجته تحضر معها ما تيسر لها من الأطعمة التي أعدتها، فتكون فرصة للحوار حول فنون الطبخ المختلفة، وابتهج أكثر في حال حضور أحفادي الصغار برفقتهما".

وتستطرد قائلة "الحال الآن اختلف كثيرا، ولا أعلم ما الذي حدث، فبعد التجمع العائلي على سفرة واحدة في جو يسوده المحبة والصفاء، أصبح أولادي يقضون معي على سفرة الطعام، بضع دقائق، ثم يذهب كل منهم في طريق"، وتابعت وهي تتنهد بحسرة : "أشتاق كثيرا إلى أبنائي، وإلى تجمعهم حولي، وعسى الله أن يعيد ما كان، وأسعد مرة أخرى بلمتهم كما في السابق".

عقاب طريف

ولكن الحال يختلف تماما مع المعلمة "هاجر" التي تتمسك بتناول أبنائها الطعام معها على مائدة واحدة، تقول: "من الأساسيات التي لا أتنازل عنها تواجد جميع أفراد عائلتي على سفرة الطعام، خاصة في وجبة الغداء، ومن يتخلف عن الحضور يعاقب، والعقاب طريف، وهو أن لا يجد المتغيب في أواني الطهي ما يسد به جوعه".

وأضافت أن "اللمة العائلية لا بديل عنها، لأنها تحقق التواصل، وتعمق الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة، وعلى كل أم أن تحرص على تربية أبنائها وبناتها على ضرورة الالتزام بالمواعيد المحددة لتناول الوجبات الرئيسية، إلا من تمنعه ظروف عمله من الحضور فعذره مقبول".

وتتابع هاجر قائلة "كثير من الأمهات يشتكين من عدم التزام أفراد عائلتهن بموعد تناول الوجبات الرئيسية، مما يتسبب لهن وللعاملة المنزلية بمزيد من الجهد، بتسخين الطعام، وإعداد السفرة أكثر من مرة، ومنهن من تشكو هجر أفراد عائلتها لمائدة الطعام"، مشيرة إلى أن جيل اليوم مشغول بأعماله الخاصة، ومعظمهم يفضل الأكل خارج المنزل، أو الاكتفاء بالوجبات السريعة".

دفء عائلي

أخصائية التربية الأسرية مسفرة الغامدي تعلق على الموضوع، وتقول "تجمع أفراد العائلة على مائدة واحدة يزيد من التواصل الأسري، ويزيد الأسرة قوة وتلاحما، ويقوي من العلاقات بين الوالدين وأبنائهما وبين الإخوة والأخوات".

وتضيف أن "ذلك التواجد يؤدي وبلا شك إلى إشاعة روح التواصل بشكل مباشر أو غير مباشر بين أفراد العائلة، صغيرهم وكبيرهم، ويزيد من الشعور بالدفء العائلي الذي ينشده الكثير من الأسر في وقتنا الحالي، بحكم الانشغال في الأعمال المختلفة، أو تناول الوجبات خارج المنزل، مما يخلق نوعا من الضيق، وشعور الوالدين بالحزن حتى لو لم يظهروا ذلك".

وتؤكد مسفرة أن تناول الطعام على مائدة واحدة فرصة ذهبية للتواصل بين أفراد العائلة، في ظل مشاغل الحياة التي لا تنتهي، كما أنه فرصة لتعديل السلوكيات غير المرغوبة للأبناء، مشيرة إلى أن ذلك بطبيعة الحال له تأثيرات إيجابية كثيرة أهمها الشعور بالأمان لدى جميع أفراد العائلة.

ونصحت الأسر بتربية أبنائها على ذلك منذ الصغر، حتى ينشأ أفراد الأسرة على التواد والتعاون والتماسك والترابط الاجتماعي.