‫ تجدّد المملكة سيرها على طريق النهضة والنماء وهي تستقبل الذكرى السابعة لبيعة الصفا التي كانت علامة فارقة في التاريخ السعودي، وإيذانا ببدء عهد جديد لهذه الأمة التي أكرمها الله تعالى بقيادة حكيمة تتقن فن تحويل أمنيات شعبها وتطلعاته إلى واقع معاش، وتبذل كافة الجهود لأجل ترقية واقعه وتأمين مستقبل أبنائه وتقرن الليل بالنهار لتحسين معيشته.

وإن كان السعوديون يتسابقون سنويا لتجديد بيعتهم وولائهم لقيادتهم الرشيدة، ويستذكرون تلك اللحظات الفريدة التي خلّدها التاريخ في سجلاته بأحرف ناصعة، فإنهم بذلك يعربون عن جزء يسير من مشاعرهم الصادقة لحكامهم وولاة أمرهم، وهي مشاعر راسخة في وجدانهم تقصر كل الكلمات عن الإحاطة بها ووصفها، ويحمدون الله على هذه النعمة التي اختصهم بها الله.

تأتي هذه المناسبة السعيدة التي اكتسبت روحانية المكان وقدسية الزمان وبلادنا تعيش أزهى مراحل تاريخها على كافة الأصعدة، وتقطع في كل يوم خطوات جديدة في طريقها نحو التنمية والتطور والازدهار، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ المملكة التي اختارت الانحياز للمستقبل، وأن تمزج دماء الشباب وطموحهم وحماسهم بحكمة الشيوخ ونظرتهم المعتقة بخبرات السنين، لتكتمل مهمة تجديد مؤسسة صناعة القرار بدماء شابة، تمتلك رؤية طموحة، وتعمل على الوصول إلى مستقبل زاهر، ومن هنا جاءت وصفة القيادة السعودية الفريدة.

ففي مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات تدافع قادة هذه البلاد وعلماؤها ومشايخها إلى قصر الصفا بمكة المكرمة وعلى بعد أمتار قلائل من الكعبة المشرفة، في ليلة مباركة يترقبها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ليعلنوا مبايعتهم لولي عهدهم الأمير محمد بن سلمان الذي جاء اختياره تجسيدا لأحلامهم وتلبية لرغباتهم بعد أن أظهر بما لا يدع مجالا للشك أنه رجل المرحلة الجديدة الذي يعرف مفرداتها ويدرك رغبات السعوديين.

وبمجرد توليه مهام منصبه رسميا لم يضع الأمير الشاب وقته، فقد كانت رؤيته مكتملة ووافية وجامعة، فشهدت المملكة العربية السعودية في تلك السنوات القلائل تغييرات جوهرية نحو الأفضل في كافة الجوانب، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وبدأت النجاحات تتوالى، وأخذت ثمارها اليانعة في الظهور والبروز.

من أبرز ملامح هذه المرحلة المشرقة في التاريخ السعودي رؤية المملكة 2030 التي كانت خطوة رائدة فرضتها الظروف الاقتصادية التي يعيشها العالم، وما يشهده من متغيّرات، فجاءت ترجمة فعلية لما ينبغي فعله لمواكبة المستجدات.

ولم يكتف الأمير الملهم بتقديم خلاصة الفكر الذي يحمله، والخطط العلمية الطموحة التي بدأ تنفيذها، بل إن من أبرز ما يميز نهجه العلمي والعملي الدقيق أنه يشرف بصورة شخصية على عملية التنفيذ، ويتابع بنفسه كافة التفاصيل مع الكوادر الوطنية المؤهلة التي استعان بها ومنحها ثقته الكاملة وهيأ لها جميع أسباب النجاح، إلى جانب الكفاءات العالمية التي تدافعت للمشاركة في تجسيد البرنامج الطموح الذي جاء به سموه وإنزاله على أرض الواقع.

لم تكن رؤية المملكة 2030 مجرد معالجات اقتصادية أو خطة للنهضة والتنمية، بل هدفت لإحداث تغييرات جوهرية في بنية المجتمع السعودي وأنظمته، وكانت بمثابة وقفة صادقة مع النفس لمراجعة المسيرة واستخلاص العبر ومعرفة أوجه القصور لمعالجتها، وتصحيح السلبيات وتجاوزها، لذلك بهرت العالم أجمع بمقاربتها للواقع وما اشتملت عليه من حقائق وخطط قابلة للتطبيق، لذلك تدافعت كبريات الشركات العالمية للمشاركة في تطبيقها والاستفادة من الأجواء الإيجابية التي وفرتها القيادة السعودية.

وأولت الرؤية كذلك اهتماما كبيرا بالمرأة ونادت بتمكينها وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني، والاهتمام بقطاع الشباب وزيادة تأهيلهم وتنمية معارفهم وتقليل البطالة في أوساطهم. إضافة إلى تطوير المنظومة القضائية باستحداث وتعديل كثير من القوانين، وهو ما أسهم في تحقيق ثورة تشريعية ضخمة لم تشهد المملكة مثيلالها طوال تاريخها.

خلال هذه الفترة الزاهرة من تاريخ المملكة تم إقرار العديد من الأنظمة والقوانين، من أهمها نظام حقوق كبير السن ورعايته، ونظام الإثبات، ونظام الأحوال الشخصية، ونظام المعاملات المدنية، ونظام الأحداث الذي نص منع الحكم بأي عقوبات بدنية على الأطفال، وهذا التعديل يتناغم مع مبادئ الشريعة الإسلامية والمواثيق والعهود الدولية. كذلك تم تعديل أنظمة المرور ووثائق السفر والأحوال المدنية، بما يكفل ويصون حقوق المرأة. إضافة إلى إنشاء المحاكم المتخصصة لتوحيد جهات التقاضي. إضافة إلى تعديل قوانين العمل، واعتماد إستراتيجية الأمن الغذائي، والسياسة الوطنية لمنع عمل الأطفال. كما أولت الدولة اهتماما متعاظما بتعزيز القوانين المتبطة بحقوق الإنسان، ومنذ إقرار الرؤية تم حتى الآن إصدار 60 قراراً إصلاحياً تتناول حقوق الإنسان، وأكملت السعودية الإيفاء بتعهداتها الدولية.

كما تضمّنت الرؤية أهمية محاربة الفساد المالي والإداري واستئصاله، وتقديم المفسدين لمحاكمات عادلة لم تستثن أحدا منهم مهما كانت صفته أو وظيفته، وأفلحت تلك الجهود في استرداد أموال هائلة في وقت وجيز، وتمت إعادة ضخ مئات المليارات في دورة الاقتصاد مما أسهم في زيادة القدرة الشرائية وإيجاد آلاف الفرص الوظيفية المتميزة.

ولأن مثل هذه المساحة اليسيرة لن تكفي بطبيعة الحال لسرد كافة الإنجازات التي تحقّقت خلال الفترة الماضية فيكفي الإشارة إلى أن المملكة أصبحت تعرف في دوائر الاستثمار العالمي بأنها أرض الفرص الواعدة وبات يطلق عليها «وجهة المستقبل» التي يتسابق المستثمرون الأجانب على العمل فيها بعد أن وجدوا ما جعلهم يطمئنون على أموالهم وحقوقهم.

ما أود قوله هو أننا أمام سانحة مواتية ومنعطف رئيس في تاريخ بلادنا، التي تنتظرها نهضة شاملة وفق ما تؤكده كافة المؤشرات الاقتصادية العالمية، لذلك يجب أن تتحول قيم الانتماء لهذا الوطن إلى أفعال حقيقية في حياتنا اليومية، وأن ندعم الجهود التي يبذلها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - حتى تحصد بلادنا ثمار ذلك نماء وخيرا ونهضة.