لا شك بأنك تعلم معنى الحق وتردد عليك كثيرا، وقد يخفى عليك أحيانا تدارك نسبيته في الوجود عندما يرتبط متفرعا إلى الحقيقة أو الحقائق ما بين إطلاقها وتقييدها وما بين نسبيتها وكمالها سواء في العلوم أو وجهات النظر والعادات والتقاليد أو الإطار الفكري، المجتمعي، الديني، بعمومهم، إلا أننا بعيدا عن هذا المنظور الفكري العميق لصيرورة الحق والحقيقة نجد أنا لا نتباعد بالسقوط في إطار محاباة أنفسنا الإنسانية أمام ميزان العدل وذلك أن بما أنك إنسان سواء حي أو ميت، ستواجه الحق ولا محال ستواجهه في الحالتين، إما معك أو ضدك، فإن للحق وجهين كالعملة المعدنية إما مع أو ضد وإن قيل قد يتوسط الأمرين فهذا إيحاء عقولنا نعتقد أننا نستطيع توسط الحق ووزن الميزان العدلي رغم أن الحق لا يقبل القسمة مع الباطل وإنما يقبل التعدد في الطرق الصحيحة.

ورغم أن الحق وإن كان ضدك فهو في صالحك إلا أن الناس بناء على ذلك تحب الحق وتكثر الثرثرة عنه في كل الأمور،من المباريات إلى قضايا المحاكم حتى عامل النظافة تجده يقدم لك مطولات عن الحقيقة، فإن الحق نجم من نجوم الحياة، ولكن عندما يكون معهم يكون ذلك الحب تجاهه أما عندما يكون ضدهم سيتصورن الحق باطلا ويحاربونه ويحاولون إيجاد مبررات واهنة لتمييعه وإن كان دون إستقصاد منهم كون النفس تميل إلى محاباة نفسها دائما كما هو معلوم عن طبيعة الإنسان في (الأنا الأنانية).

فالطبيعة الإنسانية تحابي نفسها بل وكثيرا ما تظلمها وتجدها تنبذ الحقيقة إن كانت مرة لها ولا شك بأن لذلك قيل بأن الناس "تحب الكذبة الذي تريحهم" وأن "الحقيقة مرة" وهذا حصرا على المنافق والجاهل في واقع الأمر.

أما أولئك الذين يخشون ربهم ولديهم مبادئ العملية والإنصاف والقبول بالطبيعة الإنسانية غير المعصومة سيكون الحق في صالحهم دائما وإن كان بتصور ضدهم ولذلك نجد أن الحق عصي على الضعيف ويحتاج للشدة سواء تجاه النفس أو إذا تعلق بالأخريين فكما يرفض العاق له وقوعه بينه وبين نفسه ويرفض الحقيقة المرة لنفسه دون إدراك، فسوف يتضاعف هذا الشعور عندما يتزاحم بمشاعر أخرى عندما يتعلق الأمر بالآخرين أما تختلط هذه المحاباة اللا إدراكية بالغيرة أو الحسد أو الخوف من الفضيحة أو العناد أو الألم أو الخوف من خسارة شيء لقائه فيصبح الحق لا يرى إذا كان تجاه الآخرين تماما أكثر مما هو أمام النفس، فعندما أراد الزير سالم قتل قبيلة من أجل أخيه قال الحكيم ابن عباد: الدية عند الكرام الاعتذار، وعندما قُتِل جبير ابنه قال ابن عباد: لأقتلن به عدد الحصى والنجوم والرمال.