منذ بداية العام، هاجمت الطائرات بدون طيار الأوكرانية أكثر من خمس عشرة مصفاة روسية والعديد من مستودعات النفط، في أول هجوم ضخم ومستمر وناجح من قبل المركبات الجوية الأوكرانية بدون طيار على البنية التحتية الروسية، والذي تضمن أيضًا هجمات على مصانع الصلب الكبرى.

وإذا ظل حجم الهجمات الأوكرانية بطائرات بدون طيار عند مستويات شهر مارس ولم تتحسن الدفاعات الجوية الروسية، فسوف تتمكن أوكرانيا من الاستمرار في إلحاق الضرر بمصافي التكرير الروسية بسرعة أكبر من إمكانية إصلاحها، وهو ما من شأنه أن يؤدي ببطء ولكن بثبات إلى تآكل قدرة البلاد على التكرير.

الدفاعات الجوية

ووفقا لتقرير حديث من مركز كارنيجي للسلام الدولي ( Carnegie Endowment for International Peace ) فإن أوكرانيا بدأت الحملة الحالية في يناير بهجمات على محطة الوقود في أوست-لوغا ومصفاة توابسي. وبحلول شهر مارس، كان لدى الدفاعات الجوية الروسية بعض الوقت للاستعداد. ومع ذلك، فإن حجم الهجمات الأخيرة وعدم كفاءة الدفاعات الجوية الروسية كانا مفاجئين للغاية.

تأثير محدود

ويرى التقرير أنه حتى الموجة الحالية من هجمات الطائرات بدون طيار سيكون لها تأثير محدود على الصناعة والاقتصاد الروسي.

ولا تدمر هجمات الطائرات بدون طيار مصافي التكرير بأكملها وعادة لا تدمر حتى الوحدات الفردية، ولكنها تلحق الضرر بها فقط، على عكس الغارات الجوية التي شنتها مئات القاذفات في الحرب العالمية الثانية. وعادت مصافي أوست-لوغا وريازان إلى العمل بعد أسابيع قليلة من تعرضها للهجوم.

وتؤدي الضربات ضد مصافي التكرير الروسية إلى خسائر مالية لشركات النفط الروسية، لكنها لا تضر بميزانية الدولة وليس لها تأثير يذكر على عائدات الصادرات الروسية.

ويمكن تلبية احتياجات القوات المسلحة الروسية والاحتياجات الأساسية للاقتصاد الروسي من الوقود من خلال المصانع البعيدة عن متناول الطائرات بدون طيار الأوكرانية.

ومع ذلك، فإن الإصلاحات باهظة الثمن: فهي أكبر بعشرات إن لم يكن مئات المرات من تكلفة الطائرات بدون طيار، حتى مع الأخذ في الاعتبار معدل نجاحها المنخفض والحاجة إلى هجوم سرب لتهيئة الظروف اللازمة لضربة واحدة. في حرب الاستنزاف، الاحتمالات تكمن في الطائرات بدون طيار.

الانتخابات الروسية

وأوضح التقرير أن الهجمات الأوكرانية بلغت ذروتها قبل الانتخابات الرئاسية الروسية في 15 و17 مارس: وعلى الأرجح، كانت أوكرانيا قد خزنت ترسانتها من أجل استعراض القوة والقيمة الدعائية لإفساد انتصار بوتين الواضح الأخير.

ومنذ ذلك الحين، تباطأت الهجمات، لكنها لم تتوقف. وقد أعلن المسؤولون الأوكرانيون مرارا وتكرارا عن توسع كبير في تصنيع الطائرات بدون طيار بعيدة المدى، مما يعني أن معدل الهجمات في المستقبل من المرجح أن يرتفع.

تحديد الأهداف

وبدأت هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية بعيدة المدى قبل عام بهجمات على موسكو، بما في ذلك الكرملين نفسه.

وبدلاً من إحداث قدر كبير من الضرر الحقيقي، كان إنجازهم الرئيسي يتلخص في تدمير ما يشبه روسيا التي لا تقهر، ورفع الروح المعنوية الأوكرانية، ونقل الحرب إلى سكان موسكو، مع الإبقاء على أحداث معزولة.

ففي المراحل الأولى من الحرب، ركزت أوكرانيا مواردها العسكرية على أهداف عسكرية، مثل مستودعات الوقود القريبة من الخطوط الأمامية أو المطارات الإستراتيجية، تاركة حلفاءها الغربيين لشن حرب اقتصادية. لكن العقوبات لم يكن لها سوى تأثير محدود على الأرباح والاقتصاد الروسي. والآن تتولى أوكرانيا زمام الأمور بنفسها، فتهاجم البنية التحتية للطاقة الروسية فعلياً بدلاً من الاعتماد على العقوبات الغربية.

مواصلة الضربات

وفي السابق، كانت أوكرانيا تعتمد على الذخائر الغربية لشن هجمات بعيدة المدى، مع شروط عدم نشرها ضد أهداف في روسيا وأهداف غير عسكرية. وتعمل الفئة الجديدة من الأسلحة المنتجة محلياً على إزالة هذه القيود، وتخفف من الإحباط إزاء العقوبات غير الفعّالة، وتعزز الموقف التفاوضي الأوكراني في مواجهة شركائها الغربيين. وعلى الرغم من التحذيرات الأمريكية بوقف الهجمات، واصلت أوكرانيا ضربها بشكل أعمق داخل الأراضي الروسية.

تقديرات الإنتاج

ويبلغ إنتاج روسيا من التكرير 5.5 ملايين برميل يوميا، في حين أن الاستهلاك المحلي أقل من نصف ذلك. وتنتج البلاد ضعف احتياجاتها من الديزل، وهي مصدر رئيسي للوقود، في حين كانت الطاقة الفائضة للبنزين قبل الهجمات 20-25 بالمئة. وتمكنت الهجمات الأخيرة من الاستيلاء على نحو 15 بالمئة من إنتاج البنزين، لكنها لا تزال ضمن نطاق ذلك في السنوات الأخيرة.

إن أربعين بالمائة من تكرير النفط الروسي أصبحت بعيدة عن متناول الأسلحة الأوكرانية الجديدة. وحتى لو نجحت أوكرانيا في الإغلاق الكامل لكل مصفاة في متناولها، فسوف يكون هناك ما يكفي من الطاقة في جبال الأورال وسيبيريا لتلبية احتياجات روسيا من الديزل، والوقود البحري، وزيت الوقود. في هذا السيناريو، سيكون هناك نقص بنسبة 20-30% في البنزين، والذي يمكن تغطيته عن طريق الواردات من بيلاروسيا، حليفة روسيا وجارتها. وبدون هذه الواردات، فإن النقص بهذا الحجم قد يكون له تأثير على المستهلكين من القطاع الخاص، ولكنه سيظل يترك ما يكفي من الوقود للصناعة والزراعة والقوات المسلحة.

استهداف البنية

ومن جانبها، يقول التقرير إن روسيا استهدفت أيضا مصافي النفط في أوكرانيا وغيرها من البنية التحتية للطاقة - بما في ذلك محطات الطاقة - منذ الشتاء الأول من الحرب، مما ترك ملايين الأوكرانيين بدون تدفئة في درجات حرارة متجمدة.

ومباشرة بعد الهجمات الأولى التي نفذتها طائرات بدون طيار أوكرانية، استخدمت روسيا صاروخين باليستيين لمهاجمة مصفاة التكرير الأوكرانية الوحيدة العاملة في كريمنشوج، ثم عادت بعد ذلك إلى أصول توليد الطاقة الرئيسية، فدمرت بشكل منهجي محطات الطاقة الحرارية والمائية.

ويبدو أن الهجمات الحالية أكثر دقة من الجهود السابقة: إذ ترسل روسيا أسراباً من الطائرات بدون طيار للتغلب على أنظمة الدفاع الجوي ثم توجه ضربات رئيسية بصواريخ ثقيلة، وتستهدف المولدات وأنظمة التحكم الباهظة الثمن والضخمة والتي يصعب استبدالها.

وينخرط الجانبان أكثر فأكثر في حرب شاملة، لا تستهدف القدرات العسكرية الحالية أو المستقبلية فحسب، بل تحاول أيضًا تدمير أكبر قدر ممكن من اقتصاد العدو، مما يؤدي إلى إنفاق أجزاء كبيرة من إمكاناتهما العسكرية في هذه العملية.



مراحل أوكرانيا في الهجوم:

المراحل الأولى

ركزت مواردها العسكرية على أهداف عسكرية تركت حلفاءها الغربيين لشن حرب اقتصادية بالعقوبات

المرحلة الثانية

هاجمت البنية التحتية للطاقة الروسية فعلياً بدلاً من الاعتماد على العقوبات الغربية. بدأت الحملة الحالية في يناير بهجمات على محطة الوقود في أوست-لوغا ومصفاة توابسي.