يخشى الناس فكرة الشيخوخة، لكن دراسة جديدة أجراها فريق دولي من الباحثين تكشف أن تعريف «الشيخوخة» آخذ في التغير. ومقارنة بالأجيال السابقة، يؤجل الناس الآن اعتبار أنفسهم من «كبار السن» حتى وقت لاحق من حياتهم. وحللت الدراسة، التي أجراها فريق من الباحثين من ألمانيا والولايات المتحدة ونشرت في مجلة علم النفس والشيخوخة، بيانات من أكثر من 14 ألف شخص ولدوا بين عامي 1911 و1974 والذين شاركوا في المسح الألماني الجاري للشيخوخة.

تصنيف الكبار

تم طرح سؤال بسيط على المشاركين: «في أي عمر يمكن أن تصف شخصًا ما بأنه كبير في السن؟»

ووفقًا للنتائج التي توصل إليها الفريق، يعتقد الأشخاص في منتصف الستينيات من العمر أن «الشيخوخة» تبدأ في حوالي 75 عامًا. ومع ذلك، فقد اختلف هذا التصور بشكل كبير عبر الأجيال المختلفة أو «مجموعات المواليد». يميل الأشخاص الذين ولدوا في وقت لاحق، وخاصة أولئك الذين ولدوا بعد عام 1935، إلى إرجاع العمر الذي يعتبرون فيه شخصًا كبيرًا في السن. وبعبارة أخرى، فإن عتبة اعتبار الشخص «قديمًا» قد تغيرت صعودًا بمرور الوقت.

ظهور الشيخوخة

يقول مؤلف الدراسة الدكتور ماركوس فيتستاين من جامعة هومبولت في ألمانيا «لقد زاد متوسط العمر المتوقع، مما قد يساهم في ظهور الشيخوخة في وقت لاحق. كما أن بعض جوانب الصحة تحسنت بمرور الوقت، بحيث أن الأشخاص في سن معينة والذين كانوا يعتبرون كبارًا في الماضي قد لا يعدون كبارًا في الوقت الحاضر». وهناك عدة عوامل تدفع هذا التغيير في منظور «الشيخوخة». ومع عيش الناس لفترة أطول، فإن هدف ما يعتبر قديمًا يتحرك بشكل طبيعي إلى أبعد من ذلك. التغييرات في سن التقاعد يمكن أن يكون لها تأثير أيضًا. وفي ألمانيا، ارتفع سن التقاعد تدريجيًا من 65 عامًا، وسوف يصل إلى 67 عامًا بحلول عام 2031. وإذا كان الناس يعملون لفترة أطول، فمن المنطقي أنهم قد لا يعتبرون أنفسهم من «كبار السن» إلا في وقت لاحق. مرحلة الاستقرار

ما أثار اهتمام الباحثين هو أنهم وجدوا أن اتجاه تأخير الشيخوخة قد تسارع في العقود الأخيرة، ولكنه ربما وصل الآن إلى مرحلة الاستقرار. في حين أن الأشخاص الذين ولدوا بين عامي 1911-1935 و1936-1951 كانت لديهم تصورات مختلفة تمامًا عن متى تبدأ الشيخوخة، كان هناك اختلاف بسيط بين مجموعة 1936-1951 وأولئك الذين ولدوا في 1952-1974. ويتكهنون بأن هذا قد يكون بسبب تباطؤ الزيادات في متوسط العمر المتوقع. ويشير الدكتور فيتستاين إلى أن «الاتجاه نحو تأجيل الشيخوخة ليس خطيًا وقد لا يستمر بالضرورة في المستقبل».

الاختلافات الديموغرافية

كشفت الدراسة أيضًا عن بعض الاختلافات الديموغرافية المثيرة للاهتمام. في المتوسط، تعتبر النساء أن الشيخوخة تبدأ بعد عامين ونصف من الرجال. وقد اتسعت هذه الفجوة بين الجنسين في الأجيال الشابة. يميل الأشخاص الذين يعيشون في ألمانيا الشرقية السابقة، والذين لديهم متوسط عمر متوقع أقل، إلى ربط بداية الشيخوخة في وقت أبكر من نظرائهم في ألمانيا الغربية. كما ارتبط الشعور بالوحدة، والإصابة بمزيد من الأمراض المزمنة، وتدهور الحالة الصحية، باعتبار أن الشيخوخة يجب أن تبدأ مبكرًا. وأظهرت الدراسات السابقة أن الأشخاص الذين يعتقدون أن الشيخوخة تبدأ في وقت لاحق يميلون إلى التمتع بصحة أفضل، وانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأمراض الأخرى. وعلى العكس من ذلك، فإن إدراك بداية الشيخوخة في وقت سابق يرتبط بنتائج صحية أسوأ.

تأجيل الشيخوخة

يحذر الباحثون من أنه إذا قمنا بتأجيل «الشيخوخة» لفترة طويلة في المستقبل، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية من خلال جعل الناس راضين عن الاستعداد لمواجهة التحديات التي تأتي مع الشيخوخة. قد يكون هناك حل وسط مثالي فيما يتعلق بالصحة والرفاهية. وتؤكد النتائج أيضًا كيف أن مفاهيمنا عن الشيخوخة تتشكل ليس فقط من خلال الخصائص الفردية، ولكن من خلال السياق الاجتماعي والتاريخي الذي نعيش فيه. ومع زيادة متوسط العمر المتوقع وتحسن الصحة في وقت لاحق من الحياة بشكل عام، أصبحت المفاهيم القديمة حول ما يعنيه أن تكون «القديمة» قيد المراجعة. يشرح الدكتور فيتستاين «من غير الواضح إلى أي مدى يعكس الاتجاه نحو تأجيل الشيخوخة اتجاهًا نحو وجهات نظر أكثر إيجابية بشأن كبار السن والشيخوخة، أو بالأحرى العكس - ربما يتم تأجيل بداية الشيخوخة لأن الناس يعتبرون الشيخوخة حالة غير مرغوب فيها».