في وقت يجزم فيه كثيرون أن شاحنات نقل النفايات المنزلية تقوم بمهمة بالغة الأهمية من حيث إسهامها في الحفاظ على النظافة وتنقية البيئة، فإن تلك الشاحنات تحولت عمليا إلى مصدر قلق حقيقي ليس فقط بسبب الروائح الكريهة التي تنبعث من حمولتها، وإنما كذلك بسبب أنها لا تزال تعمل بمحركات الديزل المسببة للضوضاء والتلوث. ناهيك عن الضوضاء التي تخلفها المكونات الهيدروليكية العاملة فيها، لجمع محتويات الحاويات، بالإضافة إلى تسببها في نقل أمراض للعاملين عليها نتيجة تعاملهم اليومي مع كميات كبيرة من النفايات غير المفرزة وغير المعبأة بشكل يراعي البيئة.

تشوه بصري

يقول خبير البيئة بدر الأحمدي: «تتسبب شاحنات نقل النفايات الحالية في تشوه بصري لا يمكن نكرانه، إلى جانب ما تطلقه من دخان ضار بالصحة والبيئة، لذا لا بد من التفكير جديا بالاستغناء عنها، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا الجانب، فمثلا استغنت كوريا الجنوبية عن شاحنات نقل النفايات بأنظمة حاويات القمامة المتصلة تحت الأرض، التي بدأت تنتشر كذلك في أوروبا، وهي تعمل عند وضع القمامة في الحاويات الموزعة على شقق المدينة والمطابخ والقاعات والمكاتب، بحيث يتم امتصاصها تلقائيا عبر سلسلة من الأنابيب الهوائية المضغوطة إلى شبكة من الأنفاق والأنابيب تحت الأرض. وبما أنها تعمل كحلقة وصل بين جميع المباني السكنية والمكاتب، فإنها تلغي الحاجة إلى حاويات القمامة في الشوارع أو شاحنات نقل القمامة، ويرتبط النظام بإدارة مركزية لمعالجة النفايات تطلق عليها اسم «محطة جمع النفايات الآلية»، وهناك يتم فصل المواد وإعادة تدوير ما يمكن تدويره منها. وبينما تنقل النفايات العضوية إلى محارق لتوليد الطاقة، توضع كمية صغيرة من النفايات المتبقية في مكبات النفايات».

وأضاف: «هذه الآلية جعلت المدن أنظف وأكثر هدوء، وفي 2020 وحده تم تدوير 76% من نفايات مدينة سونغدو الكورية».

تجارب أخرى

على الرغم من أن السويد لا تزال تستخدم الشاحنات في جمع القمامة، فإنها تعتمد فقط على الشاحنات الكهربائية لأداء هذه المهمة. كما أن الحاويات المعتمدة لديها تمتاز في الغالب بقدرتها وحسن إغلاقها. ناهيك عن فرضها منهج الفرز المنزلي للقمامة، بحيث توضع مخلفات الطعام في أكياس ورقية، وترمى في حاويات مخصصة، على أن يرمى البلاستيك والكرتون والزجاج والورق في حاوية مستقلة.

وتدير الجمعية السويدية لإدارة النفايات عملية التخلص من النفايات، لكنها تعتمد معها منهجية الاقتصاد الدائري، حيث يستمر الناس في استخدام المنتجات فترات أطول وبطرق أذكى، فلا يرومون كثيرا من النفايات.

وتستخدم السويد المخلفات في إنتاج الطاقة لتشغيل كل شيء، من الباصات إلى أنظمة التدفئة، حيث تحرق النفايات في أفران ذات انبعاثات كربونية منخفضة، بينما يتم تحويل فضلات الطعام إلى وقود حيوي غير ضار بالمناخ.

ووضعت السويد هدف تدوير 50% من العبوات البلاستيكية، لكنها نجحت في إعادة تدوير 35% منها حسب إحصاءات وكالة حماية البيئة السويدية.

أضرار للعاملين

لا تشكل النفايات وشاحنات نقلها مخاطر على البيئة فقط، حيث يؤكد الخبير البيئي مصطفي أكرم أن «ضرر جمع النفايات عبر الشاحنات قد يطول حتى العاملين عليها، حيث تتضرر أجهزتهم التنفسية جراء مخاطر الجزئيات الدقيقة من البلاستيك والزجاج المسحوق، إلى جانب المخاطر البيولوجية السامة للأسبستوس والسيليكا والمعادن الأخرى، ومخاطر الغازات الناتجة عن براز الحيوانات والأطعمة المتعفنة والمخلفات العضوية الأخرى التي تنتقل عبر الهواء على شكل هباء بيولوجي».

وأضاف: «هناك مخاطر أخرى ذات صلة بالتعامل مع النفايات كالأجسام الحادة مثل الزجاج المكسور والمسامير وقطع المعادن الحادة وشظايا الخشب، وهناك مخاطر التعامل مع المواد الكيماوية الصناعية والمنزلية مثل زيت المحركات، والمذيبات، والمنظفات ومواد الكلور، والزئبق، ومخلفات البطاريات، والمبيدات الفسفورية العضوية، ومبيدات الحشرات الأخرى، والمواد الكيماوية الحارقة والأحماض، وبقايا الحيوانات الميتة والمتعفنة التي قد تلقى في النفايات مثل القطط والكلاب والفئران والجردان، وأيضا هناك المخاطر البيولوجية مثل نفايات الطعام المتعفنة، والمناديل الورقية المستعملة، وحفاضات الأطفال المستعملة، وبراز الحيوانات، وهي جميعها تحتوي على مسببات الأمراض من جراثيم وطفيليات وبكتيريا وفيروسات».

أمراض وخطورة

يشير استشاري أمراض العظام أحمد عطية إلى أن أكثر ما يصيب العاملين بجمع النفايات عبر الشاحنات هو إصابات العظام والعضلات والمفاصل الحاد، وذلك بسبب حمل النفايات الثقيلة، لذا تكثر عندهم على وجه الخصوص إصابات الظهر والكتف، وكذلك الإصابة بالانزلاق بسبب المواد الزيتية الموجودة في النفايات، أو بسبب التعثر بالأجسام الصلبة من النفايات، أو نتيجة حمل أوزان ثقيلة على نحو مزمن، مما يؤدي إلى التهابات المفاصل المزمنة وآلام الظهر والانزلاقات الغضروفية. ناهيك عن التعرض لمخاطر الجروح بالأجسام الحادة والمواد الكيماوية والمواد البيولوجية، والإصابة بضربة الشمس نتيجة التعرض لها في أثناء الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة.

أمراض تنفسية وجلدية

أوضح استشاريون للأمراض المعدية أن استنشاق الروائح الكريهة والغازات الناتجة عن الشاحنات المخصصة لنقل النفايات يتسبب في حدوث أمراض تنفسية عدة، منها الحساسية المزمنة. كما يمكنها نقل الأمراض الجلدية نتيجة تطاير هذه النفايات، وهي أيضا تلوث الجو بالغازات المنطلقة منها. كما قد يصاب العاملون عليها بأمراض جلدية عدة نتيجة احتكاكهم المباشر بالنفايات في أثناء نقلها إلى شاحنة النفايات.

تجارب عالمية

تحاول كثير من دول العالم الاستفادة من تجارب بعضها بعضا في مسألة التخلص من النفايات، حيث تستعمل العاصمة الدنماركية (كوبنهاجن) أسطولا من شاحنات النفايات الكهربائية، بهدف تقليل الانبعاثات والتخلص من ضوضاء الشاحنات التقليدية في أثناء سيرها بشوارع المدن وأداء مهامها.

وأدى تحول كوبنهاجن لاستعمال شاحنات النفايات الكهربائية، والتحول من الوقود إلى الكهرباء، لتغيير المشهد الصوتي في المدينة.

وتمتاز الشاحنات المستخدمة في الدنمارك لنقل النفايات بقدرتها على تقليل حجم النفايات من خلال تقنيات الضغط المتقدمة، ولا يؤدي ذلك إلى تحسين استخدام المساحة المتاحة داخل الشاحنات فحسب، بل يعمل أيضا على إطالة الفترات الفاصلة بين التجميع والتخلص، مما يؤدي إلى تقليل عدد الرحلات وانخفاض انبعاثات الكربون.

وتستخدم الدنمارك، مثلها مثل السويد، شاحنات كهربائية من صنع شركة «سكانيا» السويدية التي بدأت منذ سنوات رحلة التحول إلى استخدام الطاقة الكهربائية بدلا من الديزل.

ضبط النفايات

من جهتها، أوضحت وزارة البيئة والمياة والزراعة أن النفايات البلدية الصلبة هي جميع المواد التي يتم رميها أو التخلص منها، ولا تكون ذات فائدة لمنتجها كالنفايات المنزلية، ونفايات البناء والهدم، والنفايات التجارية والإدارية والصناعية، والنفايات الخضراء، والمبعثرات، ونفايات الرعاية الصحية، ولا يدخل ضمنها النفايات الصناعية الخطيرة، أو نفايات الرعاية الصحية الخطيرة، مشيرة إلى أنه على قاطني الوحدات السكنية الالتزام بجمع النفايات الناتجة عنهم، ثم فرزها وفق الاشتراطات والضوابط التي يضعها المركز الوطني لإدارة النفايات، ووفقا للخطة التنفيذية.

وبيّنت الوزارة أنه يجب على المجمعات السكنية والتجارية والمؤسسات الفندقية والجامعات والمدارس والجهات الإدارية التقيد بجملة من الإجراءات فيما يخص النفايات التي تنتجها، ومن هذه الإجراءات التعاقد مع مقدمي خدمات جمع ونقل ومعالجة النفايات المرخصين من المركز، وفرز النفايات الناتجة عن أنشطتهم وفقا لما تحدده اللوائح الفنية التي يضعها المركز الوطني لإدارة النفايات، ووضع التدابير اللازمة لخفض كميات النفايات المنتجة من أنشطتهم والهدر الغذائي.

وعي المستهلك

لعل التحول من شاحنات الديزل القديمة بكل الضوضاء والتلوث التي تسببها خلال عملها في نقل النفايات إلى الشاحنات الكهربائية الصديقة للبيئة يمثل حلا مهما، لكنه لن يكون نافعا دون وعي المستهلك، ففي كثير من الدول ثمة اتجاه لإطالة أمد استخدام المنتجات، وبالتالي تقليص حجم النفايات، حيث سيصل إنتاج العالم سنويا من النفايات إلى نحو 13 مليار طن في 2050، مرتفعا من أكثر من 8.5 مليارات طن من النفايات في 2015، حسب برنامج الأمم المتّحدة.

وفي أمريكا، يعاد تدوير نحو 35 - 40% من النفايات. كما تُستخدم تلك النفايات في إنتاج طاقة كهربائية تكفي لإنارة نحو 700 ألف منزلٍ، وتسدّ 1% من الطلب على الغاز الطبيعي محليا.

وتعمل أمريكا على تعزيز ثقافة بدء فرز النفايات من المصدر عبر تثقيف التلاميذ حول أهمية الفرز، ونقل هذا التثقيف إلى أهاليهم.

وتتّبع السويد عملية فرز النفايات من المصدر، وتستخدم نفاياتها في المحارق الصحية المتطورة التي تساعد في توليد طاقة كهربائية تكفي حاجة نحو 300 ألف منزل، وفي تسخين المياه التي تؤمّن التدفئة لما يقارب المليون منزل، لذا تستورد نحو 700 ألف طنٍّ من النفايات من بلدان أخرى، لتأمين «الوقود» اللازم لتشغيل محطات الطاقة.

وبينما تنتج البرازيل 63 مليون طن من النفايات سنويا، تعيد تدوير 2% فقط منها نتيجة سلوكيات مواطنيها. لكن قانونا صدر في 2010 عزز عمليات التدوير في البلاد، لتدر نحو ملياري دولار.

مخاطر شاحنات نقل النفايات

ـ عملها على الوقود يسبب التلوث

ـ تثير الضوضاء خلال تنقلها

ـ عدم إحكامها يسهم في التلوث البصري