فجوات في عملية التواصل الإعلامية
وحول التعامل الإعلامي الذي تم خلال فاشية التسمم الغذائي، أشار خبير تعزيز الصحة بأن العملية التواصلية التي تمت مع هذه الفاشية من قبل القطاعات المعنية لم يرق للمستوى المطلوب، وشابها العديد من الفجوات، وضعف في التوافق مع الأسس العلمية في مثل هذه الحالات، والتراخي تجاه ابلاغ المستهلكين بحيثياتها بطريقة منهجية تحد من الاشاعات وتعطي مزيدا من الاهتمام بصحة وسلامة المواطن والمقيم.
وأضاف قائلا: "كمتخصصين في مجال تعزيز الصحة والتواصل الصحي فالمفترض في مثل حالات التسمم الغذائي، والمخاطر بشكل عام، استخدام أسس ومنهجيات ما يسمى بالتواصل أثناء الطوارئ والمخاطر (Emergency and Risk Communication)".
وذكر أنه وفقا لمراكز التحكم بالأمراض الأمريكية (CDC)، فهذا المفهوم التواصلي قائم على عدد من الركائز والأسس تشمل السرعة والمبادرة في التواصل مع المجتمع، وفق ما يتوفر من معلومات، للحد من ظهور الإشاعات، كما تشمل الركائز المصداقية، والشفافية، وإشعار المجتمع بما يجب فعله، والتعبير عن التعاطف مع المصابين وذويهم.
وتابع بأن الركائز تتضمن أيضا الإفصاح للمجتمع عن عدم اليقين (Uncertainty) في بعض النتائج أو الإجراءات التي قد تظهر في حالات البحث والتقصي. على سبيل المثال، ووفقا لحالة التسمم التي ظهرت في الرياض فكان المفترض في بداية الفاشية التصريح بشكل عاجل بأنه لا تتوفر معلومات كافية حتى الآن عن المنتج المسبب للتسمم، ولكن، وحسب ما يتوفر من معلومات فالبؤرة مركزة في مطاعم هامبورجيني، وأنه جاري العمل على تحديد أي مصادر أخرى وإطلاع المجتمع عليها في حينه، مع التأكيد على اتخاذ الإجراءات الكافية للحفاظ على سلامة وصحة المجتمع. وأضاف أنه ونتيجة للتأخر في التعامل الإعلامي مع الفاشية فقد انتشرت العديد من الإشاعات والمعلومات التي أثارت القلق في المجتمع، ويبدو أنها أثرت على مبيعات قطاع كبير من المطاعم.
ويضيف الخبير بأن لدى منظمة الصحة العالمية العديد من الإصدارات المتعلقة بالتواصل أثناء حالات الفاشيات والمخاطر والأزمات ويمكن الرجوع لها والاستفادة منها.
عدم نشر تحذير غذائي مبكر
كما أشار د.القحطاني إلى أن من الفجوات في عملية التواصل الإعلامي عدم قيام الجهة الرقابية المختصة بالإفصاح المبدئي عن الوجبة "المحتملة" للتسمم ولا منفذ البيع، ولا نوع التسمم، والاكتفاء بالإشارة لوجود تسمم غذائي فقط. ويكمن الخلل الكبير في ذلك أن هذا النوع من التسمم الغذائي من نوع البوشيليزم (Botulism)، الذي يعد واحدا من أخطر أنواع التسمم الغذائي الذي قد يؤدي لمضاعفات جسيمة، تشمل الشلل في بعض العضلات، وشلل في الجهاز التنفسي والوفاة في بعض الحالات. وبالتالي فإن عدم الإفصاح عن منفذ البيع قد يمثل تهديد لصحة وسلامة من تناول منه.
وأضاف أنه ووفقا لسياسات "التواصل أثناء الطوارئ والمخاطر" فالمفترض نشر ما يسمى "تحذير سلامة غذائي" (Food Safety Alert) يتم فيه وفق ضوابط محددة الافصاح عن نوع التسمم والنتائج الأولية حول المنتج/الوجبة المسببة للتسمم، والجهة التي يباع فيها، ويتم توجيه كل من قام بشراء ذلك المنتج خلال فترة معينة، تُحدد بناء على التقصي الوبائي، بضرورة أخذ استشارة طبية أو الاتصال على رقم يُحدد لذلك الأمر بالتنسيق مع القطاع الصحي.
وقال: "لكي تتضح الصورة دعونا نأخذ هذا السيناريو ونفترض أن شخصا ما اشترى المنتج المحتمل للتسمم من مطعم هامبرجيني، أليس من حقه في مثل هذه الحالة اشعاره بضرورة أخذ الاستشارة الطبية فورا؟، وبالتالي تلافي المضاعفات الخطيرة المحتملة للتسمم، أم ندعه دون اشعاره؟!". خصوصا وأن الجهة المختصة قامت فعليا بإغلاق فروع المطعم في حينه، ومما يؤكد ما ذكرت أن بيان الهيئة أشار أنه وخلال الساعات الأولى لإجراءات التقصي الوبائي ثبت بأن التسمم منحصر في أحد مطاعم مدينة الرياض.
وأكد د.القحطاني على أن هذا التحذير الغذائي يساعد في حصر حالات التسمم بشكل أسرع، وبالتالي متابعة الحالات المكتشفة بوقت مبكر قبل ظهور مضاعفات خطيرة، خصوصا وأن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أنه وفي بعض الحالات المحدودة قد لا تظهر الأعراض إلا بعد 8 أيام (غالبا ما تظهر خلال 8 إلى 36 ساعة).
ويضيف القحطاني خبير تعزيز الصحة والتواصل الصحي بأن التصريحات والبيانات المنفردة حول تسمم الرياض من قبل القطاعات المعنية شابها بعض جوانب الضعف، وكان المفترض أن تتم بطريقة منظمة ومتسقة فيما بينها، ويضيف: " في اعتقادي كان الأسلم خروج التصريحات أو البيانات بطريقة مشتركة من خلال اللجنة المشكلة للتعامل مع التسمم الغذائي، مع تحديد مهام كل جهة بوضوح، وفقا لأدبيات التواصل أثناء الطوارئ والمخاطر".
كما طالب بضرورة قيام الجهات المعنية بتدريب كفاءات متخصصة في مجال "التواصل أثناء الطوارئ والمخاطر"، ودعى هيئة مكافحة الفساد لاعتبار ذلك في توصياتها في نتائج التحقيق.
تفعيل دور المستهلك
وأكد الدكتور القحطاني على ضرورة تفعيل دور المستهلك في عملية الرقابة على منافذ البيع بفئاتها المتعددة، وألمح إلى وجود ضعف مؤخرا في توعية المستهلك بدوره الرقابي، وطالب القطاعات المعنية بالرقابة إلى ضرورة تكثيف توعية المستهلك بأبرز المخالفات التي يمكن مشاهدتها في منافذ البيع، سواء في المطاعم أو التموينات وغيرها، وذلك بطرق مبسطة تشمل نشر صورا توضيحية لتلك المخالفات ونوعها وكيفية تقديم البلاغات حيالها.
وختم حديثة قائلا: "بلا شك هناك جهود ضخمة تمت بمتابعة لصيقة من القيادة الرشيدة في عملية التقصي الوبائي لحالات التسمم من قبل الجهات المعنية، لكن في المقابل ظهرت عدد من الفجوات الجوهرية فيما يتعلق بالعملية التواصلية التي يجب الوقوف أمامها مليا، ومن ثم معالجتها وتتداركها مستقبلا لتجويد الأداء ومراعاة مزيد من سلامة وصحة المواطن والمقيم". وأضاف أنه من الضروري الاستفادة من النجاحات المتميزة في العملية التواصلية لجائحة كورونا، والتي كانت نتاج عمل مؤسسي مشترك بين القطاعات المعنية، ومحاكاة تلك التجربة مع الحالات الطارئة والمخاطر مستقبلا.