علينا أن ندرك، كما تدرك جميع المجتمعات المتحضرة، أنه عندما يعيش الإنسان في وطنه مؤمنا بمكونه الديني ومتشبعا بجميع مكوناته الثقافية فإنه لا مجال بعد ذلك للسؤال عن هويته، ذلك أن نشر الشك في المجتمع تجاه كل من يختلف معنا لهو أخطر من تضييع الوقت، لأن فاعله يفرض أجندة هامشية على المجتمع تبعد الناس عن مناقشة احتياجاتهم ومستقبلهم على خارطة التقدم، لذلك إذا أردنا أن نجعل مفهوم التعددية واقعا وليس شعارا، فعلينا أن نسرع في تجفيف موجة الشك التي أخذ أصحابها في السنوات الأخيرة يحاكمون نية كل من له رأي مختلف.

وحتى لا يتوهم أحد من صناع التشكيك أن كل من يدعو لوجهة جديدة متربص بالدين، سوف أختار عنوانين فقط من المواضيع التي يثار الشك حولها، وهما: عمل المرأة، والتعليم الحديث، وسوف نجد فيهما أن موجة أخذت تتمادى وبدأنا نسمع تصنيفات مثل العلمانية واللادينية والتغريبية تتجاوز التعليم والعمل إلى مسائل فرعية مثل عمل المرأة بائعة في السوبر ماركت والملابس النسائية على أساس علماني وتغريبي. ودون شك أننا وصلنا إلى هذه الحالة، لأننا سمحنا في السابق للمشككين أن يصنفوا السباحة وكرة القدم وتعلم الإنجليزية والبوفيه المفتوح بـ "الحرمانية"، وقسموا المجتمع بسببها إلى تغريبي واسلامي، والآن ما مغبة هذا التصنيف عندما تقود المرأة سيارتها بنفسها.. أو من يتعلم في الخارج؟

جميع ما ننشغل به الآن من جدل في مسائل فرعية يبعدنا عن مناقشة الحقوق واحتياجات الناس التي تتضمن العيش الكريم بكل أسبابه، وهي الأحق بأن تناقش، إذ تعد بالضرورة واجباً لابد أن يتحمل مسؤوليته الكتاب والمثقفون، خاصة طلبة العلم الذين يعلو صوتهم في الجدل حول ما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة.