35 عاما من العمل في عدة أقسام بإدارة التربية والتعليم بنجران مكنت الموظف سعيد فنيس من أن يكون مرجعاً لزملائه في أنظمة إدارته.

هو ومن على شاكلته يمثلون عنصر جذب لزملائهم في العمل قبل المراجعين، حيث يمثلون قاموسا معلوماتيا ومعرفيا متحركا، جلهم قضوا أغلب سنين عملهم بين ممرات وردهات هذه الدائرة.. لا تنكرهم المكاتب والأقسام ولا السجلات والملفات ولا حتى بعض الوجوه التي تتردد لإكمال معاملتها من هذه أو تلك الدائرة.. إنهم موظفو الخبرة.


موظف ومستشار ومدرب

يقول موظف الخبرة بالإدارة العامة للتربية والتعليم بنجران سعيد فنيس "أعمل منذ نحو 35سنة تنقلت في عدة أقسام وآخرها قسم المتابعة"، وأضاف "الخبرة والكفاءة أساسها قدرات الموظف وأمانته وإخلاصه في العمل, وما يجده من تقدير رؤسائه يعد حافزاَ لمواصلة العطاء, هذا هو الموظف الذي نبحث عنه, أما الموظف الخامل قليل العطاء فهو معطل وعبء كبير على إدارته وعلى زملائه".

وحول تأثر المكان الذي يعمل به موظف الخبرة عند إجازته أو إحالته إلى التقاعد قال "إن أغلب الموظفين الآن من الشباب ذوي التجربة البسيطة والذين يحتاجون مع ذلك إلى الخبرة، فعندما يغيب زميلهم الأكبر والأكثر تجربة فإنهم بلا شك سوف يفتقدون الإجابة عن أكثر من سؤال سواء أمام المراجع أو المفتش، فوجود الموظف الخبرة يسهل عليهم كثيرا ويختصر الوقت في تقديم المعلومة، لأنه حفظها وعرف جوانبها"، وتابع آل فنيس "الموظف الخبرة يجب أن يكون مؤثراَ في زملائه بإعطاء المشورة والرأي وإقامة لقاءات وورش عمل يستفاد منها ولا يجب أن يتوقف عطاؤه عند حدود عمله فقط"، وأضاف "أذكر أننا عملنا كتيباً عن الأعمال الإدارية سهل على الموظفين الكثير من القضايا والتعامل معها".


معاناة التهميش

إلى ذلك قال مدير عام التربية والتعليم بمنطقة نجران ناصر بن سليمان المنيع "إنه يجب الاستفادة من الموظف القديم، لأنه يتصف غالبا بالإخلاص والانتماء المهني, ويتميز بالاهتمام بالممتلكات العامة، وهذا ليس انتقاصا من الموظفين الشباب، ولاسيما أن كثرتهم في الوقت الحالي جعلت ميزة دور عامل الخبرة".

من جهته قال نائب مدير المالية بنجران محمد حمادي عنكيص "إن موظف الخبرة قد يهمش ويهضم حقه نتيجة الخوف منه، وحتى لا يسحب البساط من إدارته, خصوصاً إذا كانت الإدارة ضعيفة, أما الإدارة القيادية الناجحة فهي من يقدر تلك الخبرات وتستفيد منها".


رسالة عملية

وفي موقع آخر، عبر مدير عام إدارة المياه المهندس صالح هشلان عن اعتزازه بوجود عدد من الخبرات بين موظفي إدارته مطعمة بنشاط الشباب، وأضاف "إن الموظف الجدير بمكانته هو من يحمل الرسالة العملية الصادقة في كل صورها".

وفي إدارة الضمان الاجتماعي كان لقاؤنا مع الموظف عبدالله مصلح غفينة، الذي تحدث عن رحلته العملية بأنها مليئة بالتجارب والخبرات التي لا يبخل بها على أحد من زملائه, مضيفاً "تلك الخبرات لم تقتصر على كم من المعلومات فقط، بل هناك متابعة لكل جديد وصقل مهاري وتدريب على فن التعامل مع الآخرين".


البحث عن المعلومة

وقال مدير إدارة الضمان الاجتماعي عبد العزيز سعيد آل خميس، إن الخبرة هي تراكم المعلومات والمعرفة تتعدى إلى السرعة في الإنجاز والخبرة في نظام التعامل. وأضاف "ولا يكتفي بمعرفة القوانين لأنها تتغير، وفي الوقت الحالي أصبحنا نعتمد على التكنولوجيا في شتى الصور. وأعتقد أن النظام الإلكتروني سيكون عائقا أمام الخبرات الورقية إن لم يطوروا أنفسهم".

إلى ذلك يقول المهندس ناصر بجاش بفرع وزارة المواصلات والطرق بنجران "لن أتوانى أبدا في تقديم المشورة، وإن كنت أفضل أن يبحث عنها الموظف بنفسه حتى يكتسب الخبرة والتجربة بشكل ذاتي، لأن المعلومة التي تأتي جاهزة سرعان ماتفقد، بعكس تلك التي بحثنا عنها ولم نجدها إلا بعد تعب".


العبرة بالنتائج

في المقابل يرى المعلم أحمد سالم جريب أن كفاءة الموظف لا تقاس بعدد السنين، وقال "قد نجد موظفا خبرته تفوق الثلاثين عاما وهي في حقيقتها لا تتعدى بضع سنين، فهو لم يطور نفسه ولم يواكب الزمن, في حين أننا نجد شبابا أعمارهم الوظيفية محدودة ولكنهم ملمون بعملهم ونشيطون ومنتجون, فالعملية ليست حساب سنين بقدر ماهي إنتاج".


الشباب أكثر عطاء

فيما بيّن رجل الأعمال صالح بن حسين آل سلامة أن طبيعة عمل الموظف هي العلامة الفارقة، قائلاً "إذا كان الموظف يعمل عملا ميدانيا في القطاع الخاص فنحن نفضل أن يكون ذا خبرة لإحساسه بالمسؤولية، كذلك نفضل أن تسند إليه أعمال المستودعات أو العهد. أما إذا كان العمل مكتبيا فالأفضل الاستعانة بالموظف الشاب، نظرا لحيويته وقوة عطائه".

وهو ما أيده مدير فرع البنك الأهلي في العريسة محسن بن صالح عوبان بقوله "تميل الكفة للموظف الشاب في الأعمال البنكية لكثرة عطائه وإنتاجه، والتمكن من إكسابه المهارات الجديدة واستيعاب التغير في الأنظمة واللوائح وقابليته لتطوير مهاراته، بعكس موظف الخبرة الذي نحرص في عملنا بالبنوك على الاستفادة من خبراته الطويلة في شرح وتفسير اللوائح والأنظمة".

إلى ذلك، تقول شذى، الموظفة بأحد القطاعات الخاصة "عملت في القطاع الحكومي والآن في الخاص، ففي الأول الاعتماد على موظف الخبرة أكثر من الشباب، على عكس القطاع الخاص الذي يبحث عن الشباب للحصول على إنتاجية أكثر".

ويضيف عبدالله محمد اليامي، موظف قطاع خاص "سنواتي العملية متوسطة مقارنة بزملائي، ولكن التجارب الحقيقية في العمل الخاص لا تقاس بالسنين، هنا التزام وانضباط، لأن صاحب المنشأة يبحث عن إنجاز وإنتاج بغض النظر عن كونك بخبرة واسعة أو بسيطة، المهم جدا في الحكم على الموظف مقدرته على جذب عملاء أكثر ومدى تحقيق الأرباح السنوية". وأضاف "هنا يكون الاختلاف، قد يجد صاحب الخبرة البسيطة أو الموظف الجديد صعوبة في تحقيق النجاح بسهولة، في حين أن صاحب الخبرة لا يعوزه الجهد والوقت لتحقيق نجاحاته، وسرعان ما يكتسبها ذلك الموظف الجديد بسرعة وذكاء، خصوصا إذا كان طموحا ويملك دورات تدريبية تعينه وتحقق أهدافه".

وتقول موظفة القطاع الخاص أم صالح "العمل الخاص به انضباط أكثر من العام واحترام مواعيد العمل، لأن العمل مقسم بين الموظفات، وأي تغيب أو تأخير يكون محسوبا عليها دون عذر". وحول التقنية الحديثة والإلمام بالقوانين والأنظمة، قالت "القطاع الخاص يبحث عن الشباب، لأنهم أكثر إلماماً بالتقنية، لأن الشركات والمؤسسات أدخلت التقنية مبكرا، وأخذ الموظفون والموظفات دورات مكثفة للعمل وفق تلك التقنية".

أما الأنظمة فبالتأكيد أن يكون موظف القطاع الخاص أكثر دراية بها، لأنه لابد له أن يعرف ما له وما عليه ليطالب بحقوقه أولا بأول، وليقوم بواجباته دون إهمال أو تقصير.


عدم تقدير الخبرة

من جانبه، استهجن الموظف بمكتب العمل بنجران، هادي قحيشي، عدم تقدير المديرين لموظفي الخبرة، قائلاً "رغم أن الآراء توحدت أحياناً واختلفت أخرى حول الموظف الخبير أو ذي الكفاءة المتعددة.. إلا أن بعض مديري الإدارات لا يفهمون ذلك الرجل المعطاء الذي سلك كثيرا من الدروب وأصبح مخزنا للمعلومة، والذي أيضا صار علما في مجاله حتى إن سمات شخصيته تغيرت بتتابع السنين وأصبح يلبس نظارته الصغيرة كلما نظر في أحد الملفات, يحفظ الأرقام والمعاملات عن ظهر قلب، يعرف أين ذلك الملف، وأين تلك الورقة. ويستغرب المتقاعد مرزوق بن فرج اليامي عن سر تجاهل بعض المديرين للموظف الخبير، متسائلاً "هل هو عدم إلمام بأهمية موظف الخبرة؟، أم ضعف في الشخصية الإدارية؟، لأن مثل هذا الرجل الخبرة يعتبر مكسبا كبيرا للإدارة ولزملائه الموظفين من حيث الاستشارة والاحتكاك ونقل التجربة والمعرفة، فيجب أن تتاح له فرصة أكبر ليصبح مدربا معتمدا في دائرته حتى بعد تقاعده. لماذا لا يوكل إليه كتابة تجاربه وخبراته واقتراحاته ومرئياته وتعمم لتكون الفائدة أشمل على مستوى الإدارات؟