في كل أربعاء، يكون زياد هنا، وهو الصبي الذي أبدو خاله، وهي المرة الأولى التي أفعل ذلك.. أقصد أن أكون خال أحد ما، وهذا شيء ليس بيدي، ولا بيده أيضا.. أطبّق عليه ما درسته نظريا بمناهج علم نفس النمو قبل سنوات، لا أفلح عادة، لكني أحاول جاهدا أن أمثل دور الرجل الكبير الذي يقول أشياء فعالة وحكيمة لابن أخته، أي النموذج الإنساني المفترض لهذا الصغير.

ذات مرة وحين لملمت الأغراض التي طرحها على الأرض قلت لوالده منزعجا: "يا رجل هذا الجيل مدلل، منفلت لا يردعه شيء"، وهي ذات الجملة تقريبا التي قالها لي أبي وقالها له جدي، وسيقولها ابني لحفيدي.. الحكاية أشبه بدولاب يمارس فيه الكبار دور الحكيم الذي لا يتكرر مرتين على الصغار الذين يتوقع منهم الطاعة المطلقة.. زياد ليس استثناء، فعليه أن يسمع ويطيع حين أقول له ونحن بالسوبرماركت: "ضع هذه الحلوى مكانها، يكفي ما اشتريناه، كيف استطعت أصلا أن تقفز لها وهي بهذا العلو؟" لكنه يصرخ متشبثا بها، يلتفت من بالمكان نحوي ونظراتهم تقول: "ما هذا الأب منزوع الرحمة، أي بخل جعله يقسو على هذا الملاك، ريالان يجعلانه يفعل كل هذا؟ اللهم لا تجعلنا أبناء له".. أبتسم كالمتورط، وأمسح على رأسه متمتما: "خالك يحبك، فقط خذ ما تريد ودعني أدفع".. بالمساء وفي باب تعريفه بالموروث وتصديقي بأني كبرت وبأننا جيلان مختلفان، أجرّه إلى الماضي جرّا بألعاب كنت ألعبها بمثل سنّه كـ"واحد طش، نار ثلج".. أحيانا ولدى تحمسي له بشرح قواعد اللعبة ينظر للسماء وكأنه يبتهل: "يا الله، ماذا يريد هذا الرجل الذي توقف تصنيعه منذ حرب الخليج؟".

إن قرأ زياد هذا يوما ما فعلى الأرجح سيقول لابن أخته الصغير: "كنت أحد أكثر الكائنات تميزا عن الآخرين، تستطيع سؤال خالي فيصل، رحمه الله".