في الآونة الأخيرة، صار الطواف بالنعال في الحرم المكي الشريف ظاهرة ملفتة للنظر، لا تناسب تعظيم البيت الحرام، ولا تتماهى مع قدسيته.

لا شك أن الطواف والسعي بالنعال جائز شرعًا، وأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قد أقر الصلاة بالنعال، مشترطاً على من يريد ذلك التأكد من نظافتها، كما في قصة خلعه نعليه، وتنبيه سيدنا جبريل بوجود قذر في نعله، وقوله لصحابته: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما». وتحت هذا الجواز يندرج الطواف، خصوصاً إذا كان هناك ضرورة، تقدر بقدرها؛ ومع هذا فالتأكيد لازم على أهمية قدسية المكان المعظم، ومراعاة آدابه العامة».

الحق سبحانه وتعالى، يقول في سورة الحج: «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»، والتعظيم هنا يشمل مع احترام المكان المقدس، تجنب كل ما يشوه صورته أو يتسبب في المساس بطهارته؛ فالحرم المكي ليس كغيره من الأماكن، فهو رمز للطهارة والنقاء، ولبس النعال التي «داست الشوارع، وجمعت ما علق بها من قاذورات وجراثيم»، يتسبب حتمًا في تدنيس المكان، وتشكل خطرًا على الصحة العامة، ومدعاة للإصابة بالأمراض، خصوصاً إذا ما لامس الساجد بجبهته وأنفه ما مرت عليه، ومراعاة اللباس المناسب للطواف والسعي تُعد جزءًا من تعظيم شعائر الله، والالتزام بأعلى معايير الأدب والاحترام مطلوبة من الجميع، ولا يعفى من ذلك القائمين بخدمة الطائفين والمصلين والمعتمرين، ولا بأس أبدًا من توفير (جوارب) خاصة لهم، وإلزامهم بها، أو بعدم الانتعال، لتعزيز السلوك العام، والانسجام مع قدسية المكان.


مسألة أخرى مهمة متعلقة بالانتعال للمعتمرين الذكور؛ فهؤلاء عليهم الالتزام بالأحكام الفقهية المتعلقة بلبس النعال، والفقهاء نصوا على أن الرجل المعتمر أو الحاج له أن يلبس الحذاء الطبي، في حال الاضطرار، بشرط أن تظهر منه رؤوس أصابع القدمين والعقب، وعليه إن لبس النوع المحيط برجليه، أي الذي يغطي رؤوس القدمين (الفدية)، إما ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، استنادًا لجواب النبي، صلى الله عليه وسلم، عن سؤال، ما يلبس المحرم من الثياب؟: «لا يلبس المحرم القميص، ولا السراويل، ولا البرنس، ولا الخفين، إلا ألا يجد النعلين، فليلبس ما هو أسفل من الكعبين»، وهذه المسألة تستوجب مزيداً من التوعية بأهمية اتباع الضوابط الشرعية، والفهم العميق لأهمية شعائر الله واحترامها.

أختم بأن مشاهد النعال في الحرم، وفي المطاف توحي باللامبالاة، والحفاظ على قدسية الحرم مسؤولية مشتركة بين الذكور والإناث، والزائر والخادم، وكما يحرص الفرد على أداء مناسكه على أكمل وجه، ينبغي عليه الحرص على ترك أثر إيجابي يعكس احترامه لبيت الله الحرام، كما أن مراعاة قدسية الحرم تعكس فهمًا عميقًا لمعاني الطهارة في الإسلام، واحترام نظافة الحرم واجب، ليس فقط لأنه مكان عبادة، بل لأنه رمز لوحدة المسلمين من كل أنحاء العالم، والحفاظ على نظافة الحرم أولوية قصوى، ويمنح الطائف شعورًا بالاتصال المباشر بالأرض الطاهرة، ويضفي أجواء روحانية فريدة تزيد من خشوعه وتعظيمه.