نظام الرهن العقاري، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، من الأنظمة التي طال انتظارها وكثر الحديث حولها ما بين مؤمل مستبشر بمنافعها وما بين خائف محذر من مخاطرها وآثارها على حياة الناس، ومن يرى فيه خطوة إلى الأمام تحسن اقتصاديات العقار ونشاط تطويره وتمويله لما سيدخله من ضوابط توفر الحماية للأطراف المشتركة فيه. وسيساهم في حل مشكلة السكن التي يعاني منها غالبية الشعب السعودي (تشير الأرقام غير المتفق عليها إلى أن 70% من السعوديين لا يملكون منازل ويشكل الشباب الكثرة الكاثرة من هذه الفئة).

وفي السنوات الأخيرة أصبح تملك المنازل في دائرة الصعوبات إن لم يكن في حدود المستحيل مع ندرة الأراضي وارتفاع أثمانها والغلاء المتصاعد في أسعار مواد المطورين والممولين في العروض المتوفرة، التي يبررها البعض بعدم وجود قوانين واضحة تحفظ حقوق الممولين. وزاد من مصاعب الشباب المقبلين على الزواج وتأسيس أسرهم المستقلة ارتفاع الإيجارات في غالبية المدن الكبرى نتيجة عدم مواكبة العرض للطلب، وهكذا وجد الشباب أنفسهم محاصرين بين الخوف من البطالة واستحالة تملك منزل في الأفق المنظور. ومن هنا أصبح "مشروع" الرهن العقاري بكل ما يحمله من وعود وتتطلعات (الأمل) الذي يحمل للكثيرين إمكانية فتح الأبواب أمام المحتاجين لوضع (خطة العمر) من أجل امتلاك بيت من خلال جهات متخصصة في التمويل والتطوير، في إطار قانون ينظم العلاقة ويحمي الجميع تحت رعاية وإشراف الأنظمة المعمول بها مع توفير المحاسبة والرقابة اللازمة لحماية الجانب الأضعف (المقترض) وعدم تركه تحت رحمة البنوك ومؤسسات التمويل.

حتى تصدر اللوائح التنظيمية والتفسيرية للنظام فإن الجمهور يريد أن يفهم المبادئ والأسس التي يقوم عليها نظام الرهن العقاري، وما هي الإيجابيات التي يحملها وكيف يمكن الاستفادة من حسناته وتجنب ومخاطره وسيئاته بأسلوب علمي مبسط ودقيق يراعي الحقيقة قبل كل شيء، ولا يركب موجة "الإطراء والثناء" المجاني التي يفسد بها البعض الكثير من المشاريع الوطنية، بل ويشوهون، من حيث لا يريدون، جهود الدولة التي تسعى لإنشاء مشاريع تنموية من أجل تحسين حياة الناس.. ومهمة الفهم، التي يحتاجها الجمهور ويطالب بها، تقع مسؤوليتها على الجهات الرسمية المسؤولة عن النظام وأصحاب الاختصاص من أهل العلم والخبرة والتخصص في القضايا المتصلة بهذا القطاع (البنوك وشركات التطوير العقاري وشركات التمويل والقانونيون وأساتذة الاقتصاد). وقد يساهم في هذا الهدف المهم المعنيون بالشأن العام من العاملين في الإعلام بالمناقشة والحوار والأسئلة وتسليط الضوء على الواقع المعاش وبيان حقيقته دون رتوش أو تجميل والرد على كل من يسهم في "تضليل" الرأي العام باجتهادات خاطئة وانطباعات شخصية لا تصمد أمام الفحص الدقيق.

وأعتقد أن وزارة المالية ومؤسسة النقد مطالبة بتنظيم حملة وطنية تشترك فيها كل فعاليات المجتمع من أجل توعية حقيقية للناس, وهنا يبرز دور الإعلام، بكل وسائله.

الناس تريد أن تفهم أشياء كثيرة عن الرهن العقاري: هل سيكون لهذا النظام أثره، سلبا وإيجابا، على ارتفاع تكاليف الحصول على المنازل؟ وهل سيرفع النظام، كما يقول البعض، أسعار الأراضي وبالتالي يزيد من ثراء "المحتكرين" ويضاعف من مشاكل من لا يملكون بيوتا، فتزيد "الفجوة" بينهما أكثر مما هي الآن؟ وماهي العلاقة، في ظل هذا النظام، بين المواطنين والمؤسسات والشركات العاملة في هذا المجال؟ وهل ستقوم جهات رسمية بالرقابة على القواعد والضوابط التي تحكم العلاقة بين المواطنين وهذه المؤسسات؟ وهل الدولة ستتدخل لضبط أسعار العقارات أم ستترك الأمر للمنافسة، الأمر الذي يمكن الشركات الجديدة والقائمة من الدخول في "حلف" مع البنوك وبيوت التمويل لزيادة الأعباء على المواطنين الراغبين في تملك البيوت؟ ويتساءل البعض: كيف يمكن أن يكون الرهن العقاري مفيدا في ظل "شح" الأراضي الصالحة للسكن في نطاق الخدمات بغالبية المدن السعودية وهل ستتدخل الدولة لإطلاق "سراح" المساحات البيضاء الكبرى داخل المدن والتي "حبسها" المحتكرون وجمدوا منافعها للاحتفاظ بأسعارها وعدم ضخها في "دورة الإنتاج" خاصة أن الرأي الغالب - للأسف - لا يرى ألا تفرض عليها ضرائب أو تجبى منها الزكاة الشرعية بحجة أنها ليست مخصصة للتجارة!

أسئلة الناس كثيرة وأملهم كبير في أن يكون هذا النظام فاتحة لمرحلة جديدة تتعامل مع قضية السكن بما يحقق مصلحة الأغلبية ولا يقيد حرية نشاط رأس المال الوطني. لهذا يستحق النظام أن يكون موضوع أصحاب الاختصاص في الأسابيع المقبلة، يعالجونه برؤية شاملة تساعد الرأي العام على "الفهم" الصحيح الذي يرشد إلى اتخاذ القرارات الصائبة بدلا من "الاجتهادات" المبنية على إرشادات غير متخصصة تقود صاحبها إلى الوقوع في الخطأ.

كفى مجتمعنا الخوض في القضايا الاقتصادية التي تقود إلى انهيارات كارثية لا يقف ضررها عند الخسارة المالية بل تمتد آثارها وجذورها إلى السلوك والقيم. المجتمع لم يتعاف بعد من كارثة الأسهم فلا نوقعه في هاوية أخرى لا يعرف عمقها ولا طريق الخروج منها. لا نريد للناس أن تقع في أخطاء الجهل بنظام الرهن العقاري ونحن قادرون على تبصيرهم.