من الشائع رؤية المعلقين الغربيين يصفون دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه دور ضيق جدا بحيث تتمثل مصالح روسيا فقط بالحفاظ على الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة أو الدفاع عن إيران في مواجهة هجوم عسكري متهور من إسرائيل أو الولايات المتحدة. هؤلاء المعلقون مخطئون تماما. أحد الأدوار التي قد تلعبها روسيا في الشرق الأوسط قد لا يكون في سورية ولا في إيران، ولكن في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي لا تزال روسيا تلعب فيها دورا من خلال الرباعية.

خلال لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 26 يونيو، بعد يوم واحد من لقائه مع بنيامين نتنياهو في القدس، ندد بوتين بتوسيع المستوطنات الإسرائيلية وشدد على موقف روسيا بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. بعكس أعضاء الرباعية الآخرين –خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- رحبت روسيا وأيدت موقف عباس في الأمم المتحدة، حيث أثار عباس قضية اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

هناك مزاج غريب منتشر هذه الأيام في إسرائيل، وجالية المهاجرين الروس عامل أساسي. إسرائيل لديها أكبر حكومة ائتلافية في التاريخ وموسم الاحتجاجات الاقتصادية قد بدأ. بحسب مصادر مقربة من المطلعين على الشؤون الإسرائيلية في واشنطن، أهم لقاء عقده بوتين في إسرائيل كان مع وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان. ربما يكون ليبرمان شخصا غير مرغوب به في معظم عواصم العالم، لكن قدرته على الوصول إلى بوتين بشكل مباشر أكبر بكثير من قدرة أي وزير خارجية آخر في العالم. ليبرمان يعمل كصلة وصل مع موسكو. جالية المهاجرين الروس والمهاجرين الآخرين من الاتحاد السوفيتي سابقا في إسرائيل كبيرة وتتزايد باستمرار، وهناك عدد كبير من الجالية يعيشون في حالة فقر. بدون ليبرمان والكتلة الروسية، لا يستطيع نتنياهو أن يبقى في السلطة. تلك الحقيقة أشار إليها نتنياهو بشكل ساخر حين قال لبوتين "السيد الرئيس، الروس هم شركاؤنا أيضا في الحكومة. أنت تعرف وزير الخارجية ليبرمان جيدا، لكن هناك آخرين مثل وزير الدبلوماسية العامة والشتات يولي إيديلستين؛ وزير السياحة ستاس ميزنيكوف؛ وزيرة استيعاب المهاجرين سوفا لاندفير؛ رئيس تحالفنا زيف الكين؛ رئيس الوكالة اليهودية ناتان شارانسكي؛ مستشاري الاقتصادي يوجين كانديل؛ وآخرين كثر. يجب أن أقول إنه، بعكس الشائعات، أنا أعمل أحيانا مع أشخاص لا يتكلمون اللغة الروسية، ولكن لا شك أن جالية المتحدثين باللغة الروسية في إسرائيل يؤدون بحق دور الجسر بين إسرائيل وروسيا. كثيرون يعبرون ذلك الجسر. في العام الماضي وحده، جاء نصف مليون سائح روسي إلى إسرائيل، ذلك عدد هائل بالنسبة لبلد بحجم إسرائيل، وقد تضاعف سبع مرات خلال ثلاث سنوات منذ أن ألغينا الحاجة للحصول على تأشيرة دخول من روسيا".

الرئيس بوتين أحضر معه عددا من كبار مساعديه في الكرملين خلال زيارته إلى إسرائيل وفلسطين والأردن، وكذلك رافقه وفد تجاري ضم مئات رجال الأعمال الروس.

الرئيس بوتين لديه إذاً عدة نقاط قوة يستخدمها في تل أبيب في جميع المجالات والقضايا الأمنية والاقتصادية. ومع أن روسيا لم تعد تتمتع بموقع الدولة العظمى في العالم كتلك التي كانت تتمتع بها في ذروة الحرب الباردة، فإن روسيا بلا شك قوة متنامية في شؤون أوراسيا. منظمة تعاون شنغهاي، التي ترأسها روسيا والصين، وسعت نطاقها إلى جنوب آسيا ومنطقة الخليج. في اجتماعها الأخير الشهر الماضي في بكين، تمت إضافة أفغانستان إلى قائمة المراقبين الدائمين، التي تضم باكستان والهند وإيران. منظمة تعاون شنغهاي أشارت إلى واشنطن أنها مستعدة لملء الفراغ الأمني في أفغانستان فور مغادرة القوات الأميركية وقوات الناتو، وهذا أفضل عرض استلمته الولايات المتحدة من أجل خروج آمن من الاحتلال والحرب التي امتدت عشر سنوات هناك.

حول الموضوع الإيراني، حذر بوتين الإسرائيليين من أن نتائج غير مرغوبة قد تنجم عن هجوم إسرائيلي على إيران حين قال علنا "انظروا إلى ما حدث للأميركيين في أفغانستان والعراق". جاء ذلك لدى لقائه شيمون بيريز الذي حاول أن يحرج بوتين عندما قال إن إيران وسورية يمثلان "فاشية" جديدة. وأضاف بوتين "قلت لأوباما الشيء نفسه. لا حاجة لعمل أي شيء بسرعة؛ على المرء ألا يفعل شيئا قبل أن يفكر أولا... العراق فيه نظام ميال لإيران بعد كل شيء حدث هناك. هذه الأمور يجب أن يتم التفكير طويلا قبل عمل أي شيء يندم عليه المرء فيما بعد. على المرء ألا يفعل شيئا قبل الأوان".

مصالح روسيا عسكرية، اقتصادية، دبلوماسية، وعالمية. الزيارة إلى إسرائيل، والمناطق الفلسطينية، والأردن هي مجرد خطوة أولى في الشرق الأوسط الذي يتغير بسرعة. بعكس السياسيين الأميركيين، لا يستطيع قادة إسرائيل أن يخيفوا بوتين من خلال التهديد بإثارة المعارضة ضده. وصوت روسيا في الوصول إلى تسوية حول قضية الدولة الفلسطينية بين إسرائيل والفلسطينيين هو الصوت الوحيد النزيه الذي بقي في الرباعية.