الجمعة المقبلة ليست مجرد يوم عادي، بل يوم ترقب وحسم، حيث تتجه الأنظار بعد غروب الشمس نحو السماء، من أجل تحري رؤية ميلاد القمر الجديد، الذي يحدد بداية شهر رمضان، والإعلان الرسمي لدخوله؛ وكما في كل عام، يتكرر الجدل حول الطريقة المثلى لإثبات هلال الشهر، بين من يتمسكون بالرؤية البصرية، ومن يرون في الحساب الفلكي وسيلة أكثر دقة وعلمية، وهذا الجدل المتكرر يثير تساؤلاً مكرراً، وهو هل مشكلة هذا الجدل علمية بحتة، أم إن الأمر أصبح جزءًا من العادة السنوية التي تتجدد في كل موسم؟

من الناحية الشرعية، أرسى الفقه الإسلامي مبدأ واضحًا في هذه القضية، وهو «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون»، وفق ما قاله، صلى الله عليه وسلم، في الحديث النبوي الصحيح، الذي أخرجه الإمام الترمذي وابن ماجه وغيرهما، والذي يؤكد أن الاتفاق والاجتماع مقدم على الاجتهادات الفردية، وأن دخول الشهر ليس مسألة علمية مجردة، بل قضية متعلقة بوحدة الأمة؛ ومع ذلك، فإن التطور العلمي في علم الفلك جعل الحساب أكثر دقة وموثوقية من أي وقت مضى، مما يفتح الباب أمام سؤال جوهري، وهو لماذا لا يكون الحساب الفلكي أداة لحسم الجدل، بدلًا من أن يكون سببًا في استمراره؟

علم الفلك أصبح قادرًا على تحديد ولادة الهلال بدقة لا تحتمل الشك، بل إن التلسكوبات الحديثة ترصده في أدق مراحله، ومع ذلك، لا يزال الخلاف قائمًا بين الدول والمجامع الفقهية حول اعتماده كوسيلة قطعية لإثبات دخول الشهر، خصوصاً أن الرؤية البصرية لم تكن مقصودة لذاتها بقدر ما كانت الوسيلة المتاحة في عصر لم تكن فيه الحسابات الفلكية دقيقة كما هي اليوم، وكانت الأمة أمية في ذلك الوقت؛ «أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا»، ولا يصح أن تلازمها أو نلزمها بالأمية حتى اليوم.


ومن هنا يبرز سؤال وجيه، وهو إذا كان الحساب الفلكي قادرًا على تحديد دخول الشهر بيقين، فلماذا نتمسك برؤية قد تكون مستحيلة في بعض الأحيان؟

اليوم، بعض الدول الإسلامية تبنت الحساب الفلكي كمرجعية نهائية، ورغم ذلك هناك دول أخرى لا تزال تشترط الرؤية البصرية، مما يؤدي إلى اختلاف مواعيد رمضان والعيد بين الدول، وأحيانًا داخل البلد الواحد، وهذا التفاوت ينعكس بشكل مباشر على الجاليات المسلمة في الغرب بالذات، حيث يصبح الالتزام بتوقيت موحد تحديًا إضافيًا، خاصة في ظل غياب سلطة شرعية موحدة في تلك المجتمعات، مما يوقع المسلم بين اجتهادات مختلفة، وقد يجد نفسه مضطرًا للاختيار بين إعلان دولته الأصلية، أو اتباع أقرب مركز إسلامي له، أو حتى الاعتماد على الحساب الفلكي الذي تتبناه بعض المؤسسات الدينية هناك.أختم بأن تحقيق التوازن بين الدقة العلمية ومتطلبات الشريعة أمر منتظر، وأن حسم مسألة رؤية الهلال ليس مجرد جدل نظري، بل هو اختبار لقدرة المسلمين على تحقيق التوافق في قضاياهم المشتركة، وإذا كان العلم قادرًا على تقليل مساحة الشك، فلماذا لا يكون وسيلةً أفضل للوحدة بدلًا من أن يكون سببًا للخلاف؟.