من أهم وأنبل القرارات التي صدرت مؤخرا قرار وزارة الزراعة الرحيم والإنساني الذي ينص على إيقاع العقوبات بحق معنفي الحيوانات الذين تثبت مخالفتهم، وأن الغرامات المالية التي توقع بحق المخالفين تبدأ من ألف ريال وتصل إلى مليون ريال، والسجن لمدة قد تصل إلى 5 أعوام، وذلك بحسب نوع المخالفة وبإجراءات قانونية محددة نص عليها النظام. الحقيقة أنه قرار مذهل ويستحق أن نشيد به ونؤيده، خاصة في ظل تعذيب الحيوانات وعدم احترام حقوق الحيوان، وعلينا اعتبار هذا القرار مبادرة إنسانية يدشن من خلالها التطبيق الفعلي "لحقوق الحيوان".
هناك فعلا من ينتهك حياة الحيوانات دون أدنى ضمير، ومن المؤسف أن يكون ضميرهم هو العقوبات الرادعة وليس منبعه قيمهم. ومع احترامي الكبير لكل حيوانات الدنيا، وأنا لا أحسدها هنا على ما حظيت به من كريم هذا القانون الرادع، فهي جديرة بحياة طيبة، وفي صميم التشريع الإسلامي أن امرأة دخلت النار في هرة، والرحمة أدخلت رجلا الجنة في كلب سقاه.
الشاهد من طرح هذا الموضوع هو أن إصدار مثل هذا القرار، يجعلنا نتوقف لنسأل عن "معنفي النساء" وحقوق النساء المعنفات، ماذا عن قانون تجريم المعنفين؟ ماذا عن حمايتهن؟ ماذا عن قانون حماية الطفل من العنف القابع في محفوظات مجلس الشورى منذ خمس سنوات؟ هل يبدو منطقيا أن يصدر قرار يجرم معنفي الحيوانات وليس لدينا قانون لتجريم العنف ضد المرأة والطفل؟!
إن الجهات المختصة بقانون حماية النساء هي أكثر من جهة بالتأكيد، وأكثر من مسؤول، وآمل أن تكون وصلتهم نسخة من قرار وزارة الزراعة بخصوص عقوبات معنفي الحيوان. أظن أنهم بحاجة لأصواتنا جميعا أن تصل إليهم لتقول لهم: لماذا؟ وإلى متى التساهل والتجاهل في وضع "معنفي الإناث البشرية"؟ ألا يشعرنا هذا بالحرج، بالمسؤولية، بالخجل قليلا؟ الخجل لمرتين: مرة لأنه تم الإسراع والمبادرة في إصدار نظام لحماية الحيوانات المعنفة، لأن أحدهم قطع ذيل حيوان داجن، ومره لأن هناك من يستحق أن توضع له قوانين صارمة مشابهة. مؤلم مواجهتنا لهذه القيمة المجتمعية التي تحمي الحيوان المعنف ولا تحمي المرأة والطفل المتضررين بقوانين صارمة. من الصعب أن نمرر كنساء هذه المفارقة غير العادلة. من الصعب كثيرا تقبلها والتصالح معها. فشكرا لوزارة الزراعة التي أحرجت البقية، وأحرجتنا مع أنفسنا حرجا يشبه الجراح.
إن وضع هذا المطلب في أدنى سلم الأولويات تحت ذريعة عدم مناسبة الوقت أو الظرف، ذريعة غير مبررة لصياغة وإصدار قانون صارم لردع معنفي المرأة والطفل وإقراره وتطبيقه. وإن تأخير مثل هذا القرار دون محاسبة القائمين بالعنف يضر بالصالح العام قبل أن يضر بالمرأة ويحرمها تمتعها بحقوقها المواطنية والإنسانية.