وفي الوقت الذي دق فيه تقرير حديث صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ناقوس الخطر بتسجيل انخفاض في المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من المانحين الدوليين 7.1% بالقيمة الحقيقية خلال عام 2024 مقارنةً بعام 2023، يعد هذا الانخفاض الأول منذ 5 سنوات من النمو المتواصل، ويأتي في لحظة دقيقة تشهد تصاعد الأزمات الإنسانية، وتفاقم التحديات الاقتصادية والمناخية والصراعات الإقليمية في أنحاء مختلفة من العالم.
وتصدرت السعودية قائمة الدول المانحة عام 2021 في مجال تقديم المساعدات الإنمائية الرسمية (إنسانية وتنموية) إلى الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل بـ26.71 مليار ريال سعودي، ما يعادل 7.12 مليارات دولار أمريكي، وذلك وفق بيانات لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في 21 ديسمبر 2022، وذلك بـ1.05% من الدخل القومي الإجمالي للمملكة، متخطية الهدف الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1970 المتمثل في أن تخصص الدول المانحة 0.7% من دخلها القومي الإجمالي كمساعدات إنمائية رسمية لتمويل التنمية في الدول النامية.
واقع مقلق
يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن حجم المساعدات المقدمة من 32 دولة مانحة عضوًا في لجنة المساعدة الإنمائية بلغ 212.1 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ما يمثل 0.33% فقط من إجمالي الدخل القومي لهذه الدول، وهي نسبة بعيدة عن الهدف الأممي التاريخي، المتمثل في تخصيص 0.7% من الناتج القومي لدعم المساعدات التنموية.
وعلى الرغم الالتزام العلني من معظم الدول المتقدمة بدعم أهداف التنمية المستدامة، لم تتجاوز هذا الهدف الطموح سوى 4 دول فقط، هي: النرويج 1.02%، ولوكسمبورج 1.00%، والسويد 0.79%، والدنمارك 0.71%.
في المقابل، شهدت 22 دولة مانحة انخفاضًا في مستويات مساعداتها مقارنةً بعام 2023، بينما سجلت 10 دول فقط زيادات طفيفة، مما يسلط الضوء على هشاشة الالتزام الجماعي بالتنمية العالمية في ظل ضغوط السياسات الداخلية والمالية.
عوامل التراجع
يُعزى هذا الانخفاض، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها: تراجع الإسهامات في المنظمات الدولية، وانخفاض الدعم الموجَّه لأوكرانيا، وتراجع المساعدات الإنسانية، وتقليص الإنفاق على استضافة اللاجئين داخل الدول المانحة.
بالإضافة إلى ذلك، لعبت الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها الدول المانحة دورًا مهمًا في إعادة صياغة أولوياتها، خاصةً في ظل ارتفاع مستويات الدين العام، وتفاقم معدلات التضخم، والتحديات المرتبطة بتكلفة الطاقة والغذاء، مما أدى إلى تضييق هامش المناورة المالية لوزارات التعاون الدولي في هذه البلدان.
كما أسهمت النزعات الشعبوية المتنامية في بعض الدول، وما يصاحبها من توجهات انعزالية، في تقليص الدعم للمبادرات التنموية الخارجية لمصلحة خطاب سياسي يركز على «المواطن أولًا» داخل الحدود الوطنية، في تجاهل متزايد للترابط العالمي بين الاستقرار المحلي والتنمية الخارجية.
الأكثر تضررًا
من أبرز المتضررين من هذا التراجع كانت أوكرانيا، التي شهدت انخفاضًا في صافي المساعدات بـ16.7 % مقارنة بعام 2023، لتصل إلى 15.5 مليار دولار فقط. وعلى الرغم من استمرار الصراع مع روسيا وتداعياته الإنسانية والاقتصادية، فإن بعض الدول المانحة بدأت في إعادة توجيه مواردها نحو قضايا داخلية أو أولويات إقليمية أخرى.
أما إفريقيا، فقد تلقت صافي تدفقات ثنائية بلغت 42 مليار دولار، بانخفاض 1% مقارنة بعام 2023، بينما تراجعت المساعدات الموجَّهة لإفريقيا جنوب الصحراء 2%.
كما سجلت أقل البلدان نموًا تراجعًا بـ3%، وهو مؤشر خطير بالنظر إلى الأعباء الثقيلة التي تواجهها هذه البلدان في مجالات الأمن الغذائي، والرعاية الصحية، والتعليم، والتكيف مع التغير المناخي.
تزايد الضغوط
في هذا السياق، شدد الأمين العام للمنظمة، ماتياس كورمان، على ضرورة التحرك العاجل، قائلاً: تتزايد الضغوط على تمويل التنمية. إن تحسين فعالية المساعدات المتاحة سيصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لمساعدة الدول النامية على مواجهة هذه التحديات، وتوظيف الاستثمارات الضرورية للنمو، وحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
كما أشار كارستن ستاور، رئيس لجنة المساعدة الإنمائية، إلى أن على المجتمع الدولي أن يُبقي أولوياته مركزة على القضاء على الفقر، وتعزيز التحول البيئي العادل، والحوكمة الرشيدة، داعيًا إلى توظيف المساعدات الرسمية كأداة رئيسية لتعبئة مصادر تمويل إضافية، وتحفيز الشراكات التنموية الفعالة.
صدارة سعودية
في حين تصدرت السعودية قائمة الدول المانحة عام 2021 بإسهامات بلغت نحو 7.12 مليارات دولار أمريكي، نفذ مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي تأسس عام 2015، أكثر من 3.009 مشروع في 100 دولة، بقيمة تجاوزت 6.94 مليارات دولار أمريكي، وبلغ إجمالي المشاريع الإنسانية والتنموية التي نفذتها المملكة في 171 دولة أكثر من 7.090 مشروعًا، أُنفق عليها أكثر من 131 مليار دولار أمريكي، بما يعادل 491.25 مليار ريال سعودي.
ويعكس هذا الدور السعودي التزامًا راسخًا بمبدأ التضامن الدولي، وسعيًا لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تتجاوز المساعدات المالية إلى بناء شراكات فاعلة وتحقيق أثر ملموس على الأرض.
توقعات مستقبلية
تثير التوقعات المستقبلية فيما يتعلق بالمنح القلق، خصوصًا مع وجود مؤشرات من بعض العواصم الغربية حول إمكانية إجراء تخفيضات إضافية في الأعوام المقبلة، مما يهدد بإضعاف الاستجابة الدولية للتحديات التنموية الطارئة.
اللاجئون في قلب المعادلة
واحدة من أكثر الإشارات الدالة على هذا التغيير في التوجهات كانت الانخفاض الحاد في المساعدات المخصصة للاجئين داخل الدول المانحة بـ17.3 %، لتبلغ 27.8 مليار دولار، بما يمثل 13.1% من إجمالي المساعدات، بانخفاض عن 14.6% في العام السابق.
ويدل هذا على تحول متزايد نحو «الإدارة» بدلًا من «الاستقبال»، في ظل تصاعد الجدل السياسي حول الهجرة، وتراجع الحماس الشعبي لاستضافة اللاجئين.
الاستهداف الذكي
في ضوء هذه الاتجاهات المقلقة، أوصى تقرير المنظمة بضرورة إعادة توجيه المساعدات نحو المناطق والفئات الأكثر هشاشة، مع تعزيز الشفافية وتكامل الجهود بين الجهات المانحة والبلدان المستفيدة.
ويشدد التقرير على أن الاستهداف الذكي للمساعدات لا يعني تقليصها، بل توجيهها بفعالية نحو الأماكن التي تُحدث فيها فارقًا ملموسًا.
كما يتطلب تحقيق نتائج تنموية أفضل العمل على مواءمة المساعدات مع خطط التنمية الوطنية، وتبني أدوات تمويل مبتكرة، وتحسين التنسيق بين الفاعلين الدوليين، بما يسهم في مضاعفة الأثر الإنمائي لكل دولار يُصرف.
تراجع المساعدات الدولية
ـ انخفاض المساعدات الإنمائية في 2024
ـ أول تراجع منذ 5 سنوات
ـ المساعدات: 0.33% فقط من دخل الدول المانحة والهدف الأممي 0.7%
ـ السعودية تقدم منحا بـ1.05% من ناتجها القومي عام 2021، الأعلى عالميًا
المساعدات السعودية
7.090 مشروعًا
171 دولة تستفيد من المشاريع السعودية
131 مليار دولار قيمة المشاريع
أسباب انخفاض المساعدات
ـ ضغوط اقتصادية نتيجة ارتفاع مستويات الدين العام، وتفاقم معدلات التضخم، وتكلفة الطاقة والغذاء
ـ سياسات داخلية
ـ تراجع إسهامات المنظمات الدولية
ـ انخفاض الدعم الموجَّه لأوكرانيا
ـ تراجع المساعدات الإنسانية
ـ تنامي النزعات الشعبوية المتنامية في بعض الدول
ـ تقليص الدعم للمبادرات التنموية الخارجية لمصلحة خطاب سياسي يركز على «المواطن أولًا»
ـ تجاهل متزايد للترابط العالمي بين الاستقرار المحلي والتنمية الخارجية
ـ تصاعد الجدل السياسي حول الهجرة
ـ تراجع الحماس الشعبي لاستضافة اللاجئين