أولاً: الصراع الاقتصادي
بدأت ملامح التوتر الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في عام 2018، عندما فرضت واشنطن رسوماً جمركية على العديد من السلع الصينية بهدف تقليص العجز التجاري الهائل. كانت هذه الخطوة جزءاً من إستراتيجية أمريكية للضغط على الصين لتغيير ممارساتها الاقتصادية، وعلى رأسها الانتهاكات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وعمليات النسخ والتقليد الواسعة للمنتجات الأمريكية وبدورها، ردّت الصين بفرض رسوم انتقامية على المنتجات الأمريكية، ما أسفر عن اندلاع حرب تجارية استمرت لسنوات وأثرت بعمق على الاقتصاد العالمي.
اليوم، أصبحت الصين المصدر الأول للعديد من المواد والمكونات الصناعية حول العالم، ولا يكاد يخلو بيت في أي مكان من منتج يحمل علامة «صُنع في الصين». ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها وفرة الأيدي العاملة، انخفاض تكاليف الإنتاج، وتوفر بنية تحتية متقدمة في مجالات الصناعة والنقل. هذه العوامل جعلت الصين تتحول إلى قوة عالمية في الإنتاج، وتهدد الدول الصناعية الكبرى التي كانت في الماضي المنتج والمُصدر الرئيسي.
ثانياً: الصراع التكنولوجي
على الصعيد التكنولوجي، تحولت الصين في العقدين الأخيرين إلى قوة تكنولوجية بارزة، حيث تنافس في مجالات الابتكار، الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الاتصالات الحديثة. تظهر هذه القوة بوضوح من خلال شركات كبرى مثل «هواوي»، التي أثارت قلق الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب قدرتها المتقدمة في تطوير شبكات الجيل الخامس (5G). دفعت هذه القدرة واشنطن إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركة، مثل منع استخدامها داخل أراضيها وفرض عقوبات قاسية عليها، إضافة إلى ضغطها على حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط لاتخاذ مواقف مماثلة.
لم يقتصر الصراع على البنية التحتية التقنية فقط، بل امتد إلى عالم التطبيقات الرقمية. تطبيق «تيك توك» المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأمريكية، خاصة بعد أن حقق انتشاراً هائلًا بين المستخدمين حول العالم. بلغت قيمة التطبيق السوقية حوالي 300 مليار دولار، مما يجعله من أعلى التطبيقات قيمة في العالم، متفوقاً على منصات كبرى مثل «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب» التابعة لشركة «ميتا» مجتمعة.
ختاماً، من المتوقع أن نشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار في الأيام المقبلة نتيجة لزيادة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما سيترك أثراً بالغاً على الاقتصاد العالمي. ورغم التحديات التي قد يفرضها هذا الصراع، إلا أن له وجهاً إيجابياً يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتحولات اقتصادية هامة. فقد يمنح هذا الصراع الدول فرصة ذهبية لتعزيز استقلالها الاقتصادي، بالاعتماد على نفسها في إنتاج وتصنيع حاجاتها الأساسية، بعيداً عن التأثيرات الخارجية التي قد تعصف باستقرار اقتصاداتها، هذه المرحلة قد تكون دافعاً لتحفيز النمو الداخلي، ورفع مستوى القدرة على التكيف مع المتغيرات، ما يقلل من الاعتماد على القوى الاقتصادية الكبرى ويزيد من مرونة الاقتصادات الوطنية في مواجهة تحديات المستقبل.