قبل الحديث عن صورة العرب والمسلمين في العالم عموما والغرب خصوصا دعونا نوضح أن هناك لبسا كبيرا يحصل حين يتم تقديم هذه الفئة، خاصة في الإعلام. فالإعلام العالمي لا يفرق في أحيان كثيرة بين العربي والإيراني والتركي والباكستاني والأفغاني، حين يريد الإشارة إلى أشخاص من هذه الرقعة الجغرافية المعروفة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بل إنه أحيانا يخلط بين العربي المسلم والمسيحي حينما يريد أن يتحدث عن المسلمين، وهذا تسطيح غير مقبول في هذا العصر. فهم يفرقون بين الصيني والياباني والكوري، كما يفرقون بين السويسري والفرنسي والبلجيكي، وإن تحدث ثلاثتهم الفرنسية، فلماذا إذاً يقع هذا التعميم فقط عندما يتعلق الأمر بالمنطقة العربية والإسلامية؟ وما زلت أذكر كيف شرح لنا المسؤولون في إستديوهات (MGM) الأمريكية التابعة لشركة والت ديزني قبل أكثر من خمس عشرة سنة، كيف أنه من أجل إنتاج فيلم "الأسد الملك" الشهير، فإن الرسامين وفناني التقنيات الرقمية قد أمضوا أوقاتا طويلة في أفريقيا لمشاهدة حياة الأسود والحيوانات البرية في بيئتها الطبيعية، بحيث يستطيعون إخراج فيلم كرتون – للأطفال!- يعكس الواقع إلى أقصى حد ممكن، في حين أنه حين نشاهد رجلا عربيا في فيلم أمريكي اليوم فما زال يثير انزعاجنا بطريقة لبسه الساذجة للثوب والغترة والعقال، وما زلنا نسمع اللهجة اللبنانية من شيخ خليجي، والمصرية من جندي عراقي!

في كتابه (Reel Bad Arabs: How Hollywood Vilifies a People ) أو (العرب الأشرار في السينما.. كيف تشوه هوليوود أمة؟) والذي نشر قبل أحداث سبتمبر مباشرة، كما في الفيلم الوثائقي الذي يحمل الاسم نفسه، يتحدث الدكتور جاك شاهين، وهو إعلامي أمريكي المولد ينحدر من أصول عربية، عن التشويه المتعمد والمنتظم لتقديم صورة سلبية عن شعوب المنطقة العربية في السينما الأمريكية منذ بداياتها، ويدعم كلامه بلقطات وتحليلات لأفلام من مطلع القرن العشرين وحتى مطلع الألفية، مع قبسات مضيئة استثنائية. فصورة العربي الثري الباذخ والمتوحش وزير النساء ولاحقا الإرهابي، سابقة للأحداث الجسام المتأخرة التي يُلقى عليها اللوم في أيامنا هذه على تشويه صورتنا. فهذه الأفلام أنتج بعضها قبل حرب 67، وقبل الثورة الإيرانية وجهيمان والجهاد الأفغاني، وقبل ولادة أسامة بن لادن نفسه، ناهيك عن قاعدته. ولو أن الكاتب يؤكد على أن هذه الصورة ازداد قتامة وسوءا مع تطورات الأحداث السياسية في المنطقة، كالحروب مع الإسرائيليين، وأزمة النفط المصاحبة لحرب العاشر من رمضان، واحتجاز الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران، وغيرها.

يقول شاهين: "عندما ننظر إلى تشويه المسلمين العرب فإن ذلك يجعل كراهيتهم وقتلهم أسهل كثيرا". وعلق لاحقا بعد وقوع أحداث سبتمبر بأن مئات جرائم الكراهية التي ارتكبت ضد الأمريكيين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر أكدت أهمية محاربة الصور النمطية. وأوضح "أن هدف الكتاب هو أن يشرح في الواقع أنه عندما تشوه شعبا فإن رجالا ونساء وأطفالا أبرياء يعانون، وأن التاريخ علمنا ولا يزال يعلمنا هذا الدرس".

ويرى شاهين أن جانباً من المشكلة هو أن الإستديوهات الكبرى التي تعرضت لضغوط على مدى السنين لتتوقف عن تقديم صور سلبية عن المرأة والسود والأقليات واجهت انتقادات قليلة لتقديمها صورا سلبية عن العرب. ويخلص المؤلف في نهاية كتابه إلى أن "العرب يبدون متخلفين وخطرين عند النظر إليهم عبر عدسات هوليود المشوهة".

وبالرغم من أن هناك شعوبا أخرى عانت من القولبة في السينما الأمريكية مثل الروس والألمان والصينيين، إلا أن الوضع في الحالة العربية يبدو ممنهجا بشكل أكبر، ولا يبدو أنه وليد الجهل والغباء فحسب، وإنما وراءه أيادٍ أخرى في هوليوود لم يسمها شاهين، إلا أن أصابع الصهيونية العالمية لا تخفى هنا.

والمشكلة في الحالة العربية أنه لا توجد سينما عربية فعالة تستطيع أن تقدم للعالم صورة أخرى، لعلها تحقق نوعا من التوازن. بل إن السينما العربية، ولنأخذ المصرية مثالا، قد أسهمت في ترسيخ الصورة السلبية عن الشعب المصري وعن الشعوب العربية الأخرى. فصورة الشيخ الخليجي في السينما المصرية لا تختلف كثيرا عن صورته في السينما العالمية.

ليس مطلوبا من السينما والآداب والفنون بشكل عام، أن تقدم صورة مثالية عن العرب والمسلمين، فهذا كذب وتدليس ودعاية رخيصة لا نبتغيها، فلسنا مثاليين. ولكن المطلوب هو تقديم صورة متوازنة، بحيث لا نلعب أدوار الإرهابيين والأشرار والمهووسين جنسيا في كل مرة، وإنما يمكن أن نلعب أدوار الطيبين أحياناً، أو أن نقدم ضمن مشاهد تحمل بصمات إنسانية مشتركة بين كل الشعوب، كعلاقة الأم بأولادها، وحب الإنسان لأرضه، وأحلام الشباب بالحب والنجاح، مشاهد تعيد لنا شكلنا الإنساني بعد هذه الشيطنة المتواصلة عبر عقود. ومن الظلم وعدم سماع "الرأي والرأي الآخر"، التي صدع الغرب بها رؤوسنا، أن يتم تقديم الصراع العربي الإسرائيلي من وجهة نظر واحدة فقط، فهذا يحرم المشاهد الأمريكي من فهم أكثر واقعية لهذا الصراع الأزلي الذي يجد بلاده متورطة فيه، شاءت أم أبت. لا نطالبهم قطعا بتبني وجهة النظر العربية في أحقية العرب بفلسطين، وإنما تصوير شيء من معاناة الفلسطينيين اليومية، والتي تدفعهم لمقاومة الكيان الصهيوني بطرق يراها الغرب متوحشة كالعمليات الاستشهادية.

وأختم مقالي بسؤال المليون الذي طُرح مرارا وتكرارا عن دور المال العربي في تمويل هكذا أفلام منصفة تعود فائدتها ماديا ومعنويا على هؤلاء الأثرياء بالمقام الأول، لأنه غالبا لهم استثمارات خارجية في أوروبا وأمريكا، ومن مصلحتهم أن تكون الصورة عنهم جيدة، والعلاقات بين بلدانهم وشعوبهم متميزة، وكلنا يعرف الأثر الرائع الذي تركته أفلام متميزة مثل فيلمي الرسالة وعمر المختار على العالم، فهل سنرى أفلاما جديدة يمولها هؤلاء؟ ومتى سيتم ذلك؟