هذا عن البليلة، لكن ماذا عن بائعة البليلة، يقول أحد الأدباء كبير السن أنه كان يمارس رياضة المشي بصفة يومية غالبًا، وقريب من الممشى كشك لبائعة بليلة من الأسر المنتجة؛ فلذلك ولحبي للبليلة يقول هذ الأديب القاص أنه يحرص على الشراء منها حتى عرفتني وتعودت أنا على البليلة، وصرت زبونًا دائمًا ومستمرًا، لأن بائعة البليلة على خلق في تعاملها ولطيفة ومرتبة وأنيقة ومؤدبة، ولها «نَفَّس» في عمل البليلة اللذيذة، وهي كذلك أصبحت تعرف طلبي ومكوناته وتعمله لي، وتناولني طلبي بدون تحدث، بل بالإشارة، واستمريت على ذلك شهورًا.
وفي يوم سافرت لعدة أيام، ولما قدمت ورجعت للممشى كالمعتاد ومررت على بائعة البليلة، وإذا بها تسأل عني بقولها «سلامات يا عم عسى ماشر لك كم يوم ما نشوفك عسى خير»، استغربت من كلمة «يا عم»، وكانت كالطامة القاصفة لقلبي ودقاته وأمنياته، فنظرت لها وقلت أعمارنا متقاربة تقريبًا، وهذا الشيب من ضغوطات الحياة، فجاوبت بكلمة لم أكن أتوقعها ومفاجئة، فقالت بل أنت مثل والدي، فعندها أدركت أن الملافظ سعًد وليس لي في البليلة نصيب.
ومن يومها غيرت مساري نهائيًا، وابتعدت عن بائعة البليلة بسبب كلماتها السلبية تجاهي.. فأنا لست عمها ولست في عمر والدها، ومن هو مثلي روحه رياضية وإيجابي يكره مثل هذه الكلمات المزعجة، فالعمر مجرد رقم في أيام الحياة، والشيب ليس عيبًا، ولا يمنع من الحب والإعجاب ومتاع الحياة وإيجابيتها وجمالها.
وأخيرًا وفي الخلاصة.. هذه حكاية ذكرها لي للعبرة، فالكلمات الإيجابية لها تأثيرها في من تقدم به العمر، فأحسنوا كلماتكم وعباراتكم الإيجابية، فالحياة سعادة، ورب كلمة تقول لصاحبها دعني. لذلك من الذوق العام والإتيكيت الحضاري لا تسأل عن سنوات العمر أو تقول لمن عرفت أو لم تعرف " يا عم" و" يا شايب" أو " يا عجوز"، لأنها قد تكون كلمات لها تأثيرها ولها رد فعل سلبي على النفس البشرية وخصوصياتها، وقد تعرض قائلها للمساءلة القانونية.. والله أتم وأعلم.