تتسلل السلع المقلدة إلى الأسواق العالمية حاملةً معها خسائر اقتصادية فادحة ومخاطر صحية جسيمة، ومقوّضةً ثقة المستهلكين بالعلامات التجارية الأصلية.

وتشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية (EUIPO) إلى أن قيمة التجارة العالمية في السلع المقلدة والمقرصنة بلغت نحو 464 مليار دولار أمريكي عام 2019، أي 2.5 % من إجمالي التجارة العالمية، وأكد تقرير حديث للمنظمة أن الرقم يتزايد بشكل مطرد بسبب البحث عن الفخامة بسعر منخفض، وانتشار التجارة الإلكترونية، وضعف الرقابة الجمركية في عدد من الدول، وضعف القوة الشرائية في بعض البلدان.

طلب متعمد وآخر مخادع


يُفرّق التقرير بين نوعين من الطلب على السلع المقلدة:

الطلب المتعمد: وذلك حين يُقبل المستهلك عن وعي على شراء منتج مزيف بحثًا عن سعر منخفض أو تقليد لماركة عالمية.

الطلب غير المقصود: وهو حين يُخدع المستهلك ويشتري منتجًا يظنه أصليًا، بينما هو في الحقيقة مقلد.

وتشير بيانات المصادرات الجمركية إلى أن 54 % من المستهلكين الذين اشتروا سلعًا مقلدة بين عامي 2017 و2019 كانوا على دراية بذلك، فيما خُدع 46 % الآخرين.

وتفشت تجارة السلع المقلدة في معظم دول العالم بسبب البحث عن الفخامة بسعر منخفض، وتفضيل المستهلكين اقتناء سلع شبيهة بالعلامات الراقية بأسعار زهيدة، وكذلك بضعف الرقابة الجمركية وضعف التشريعات أو تطبيقها في بعض البلدان بما يسمح بمرور هذه المنتجات عبر الحدود بسهولة، كما أن انتشار التجارة الإلكترونية مع صعوبة التحقق من المصدر ساهم في ذلك، إلى جانب تراجع القدرة الشرائية في البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث يميل المستهلكون إلى شراء السلع المقلدة كخيار اقتصادي.

فقدان 200 ألف وظيفة سنويًا

يحذّر التقرير من أن هذه التجارة غير المشروعة تُكبّد الاقتصاد العالمي خسائر ضخمة. ففي الاتحاد الأوروبي وحده، تُقدّر الخسائر السنوية بنحو 2 مليار يورو، في حين تُفقد 200 ألف وظيفة سنويًا حول العالم بتأثير هذه التجارة على الصناعات الأصلية، خاصة في قطاعات الملابس، مستحضرات التجميل، الألعاب، والإلكترونيات.

كما أن السلع المقلدة تضعف حوافز الابتكار وتؤدي إلى تراجع الاستثمارات في البحث والتطوير.

وتتفاوت درجة تقليد السلع بحسب القطاع، وأظهرت بيانات أن أبرز الفئات التي تتصدر القائمة هي:

الإلكترونيات، بنسبة 55.4 %: وتشمل الهواتف الذكية، الشواحن، والبطاريات، وتشكل خطرًا كبيرًا لاحتمال تسببها في حوادث كهربائية أو حرائق.

قطاع الملابس والأحذية، 54.6 %. قطاع الأغذية والمشروبات 57.1 %، وتعد من أخطر السلع المقلدة، لافتقارها لمعايير الصحة والسلامة. قطاع الأدوية والمستحضرات الطبية 18 %، إذ تحتوي على مواد غير فعالة أو ضارة، مما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية أو حتى الوفاة. قطاع العطور ومستحضرات التجميل 53.6 %، وقد تسبب التهابات جلدية أو ردود فعل تحسسية.

الدول المصدرة والمستهدفة

تُعد الصين المصدر الأكبر للسلع المقلدة عالميًا، بواقع 55 % من المنتجات المزيفة، تليها هونج كونج 27 %. وتُستخدم الموانئ الصينية كنقاط عبور أساسية لنقل السلع المزيفة عبر الشحن البحري، حيث تمر نحو 70 % من الشحنات المزيفة عبر الصين.

أما الدول الأكثر استيرادًا، فتتصدرها الولايات المتحدة 35 %، تليها ألمانيا 25 %، وبلجيكا 11 %، وإيطاليا 6 %، بينما تُعد إسبانيا وبولندا من أكبر مستهلكي الملابس والإلكترونيات المقلدة داخل أوروبا.

عوامل اقتصادية واجتماعية

يُحلل التقرير العلاقة بين بعض المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وحجم استيراد السلع المقلدة:

قيمة الواردات الكلية: هناك علاقة طردية بين ارتفاع الواردات الكلية للدولة وزيادة واردات السلع المقلدة.

نصيب الفرد من الناتج المحلي: الدول ذات الناتج الفردي المنخفض أكثر عرضة لواردات السلع المزيفة لضعف تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية.

جودة البنية التحتية: البنية التحتية الجيدة قد تسهل دخول السلع المقلدة في حال ضعف الرقابة.

النسبة المرتفعة لاستخدام الإنترنت: تُعد التجارة الإلكترونية قناة رئيسة لتسويق السلع المزيفة.

مستوى التعليم العالي: رغم ما يبدو من تناقض، فإن بعض الدول ذات نسب تعليم مرتفعة تُظهر أيضًا معدلات مرتفعة لواردات السلع المزيفة، ربما بسبب سلوكيات المستهلكين الباحثين عن «صفقات» عبر الإنترنت.

السعودية عقوبات رادعة

تُولي وزارة التجارة السعودية أولوية كبرى لمكافحة السلع المقلدة، من خلال حملات رقابية مشددة ومبادرات تشريعية، حيث فرضت عقوبة صارمة تصل إلى السجن 3 سنوات وغرامات تصل إلى مليون ريال على المروجين للسلع المزيفة. كما عززت الرقابة على المتاجر الإلكترونية، وشجّعت التسجيل في منصة «معروف» لضمان شفافية العمليات التجارية عبر الإنترنت.

التكنولوجيا تحارب التقليد

بين التقرير أن التكنولوجيا تُعد إحدى أهم الأدوات الفعالة في رصد وضبط السلع المقلدة، وتشمل أبرز الحلول:

تحليل بيانات الجمارك لاكتشاف الأنماط المشبوهة في تدفق البضائع، كما يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تتبع المنتجات المزيفة عبر الإنترنت، وتساهم أنظمة في التحقق الرقمي مثل تقنيات البلوك تشين في ضمان أصالة المنتج.

جهود دولية

خلص التقرير إلى الدعوة لتكثيف التعاون الدولي للحد من هذه التجارة، عبر تعزيز الرقابة الجمركية بتقنيات الفحص المتطورة. وتشديد العقوبات على المتورطين في إنتاج أو تسويق السلع المقلدة. وإطلاق حملات توعوية لتعريف المستهلكين بمخاطر شرائها.

كما بات من الضروري تبني سياسات شاملة تقوم على تحديث الأنظمة الجمركية، وتعزيز وعي المستهلكين، وتوظيف الحلول التكنولوجية للحد من انتشار هذه الظاهرة.