تُعد أنماط التعلّق العاطفي من العوامل الأساسية التي تؤثر على سلوك الأفراد في علاقاتهم الشخصية والعاطفية.
وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يتشكل نمط التعلّق لدى الإنسان بناءً على تجاربه المبكرة مع مقدمي الرعاية، وهذا التأثير ينعكس بشكل واضح في علاقاته في مرحلة البلوغ، سواء في الصداقات أو العلاقات العاطفية أو الأسرية.
أنماط التعلّق العاطفي الرئيسية
حدّد علماء النفس أربعة أنماط رئيسية للتعلّق العاطفي:
1. التعلّق الآمن (Secure Attachment):
يُعد هذا النوع من التعلّق هو الأكثر صحة في العلاقات العاطفية. الأشخاص الذين ينتمون لهذا النمط يتمتعون بثقة عالية في أنفسهم، ويشعرون بالأمان في علاقاتهم، مما يجعلهم قادرين على التعبير عن مشاعرهم بوضوح دون خوف من الرفض.
كما يوازنون بين القرب العاطفي والاستقلالية، ويقبلون الدعم من الآخرين ويقدمونه عند الحاجة.
2. التعلّق القلق (Anxious / Preoccupied Attachment):
يتميّز هذا النمط بحساسية مفرطة تجاه العلاقات. يشعر الأفراد الذين يتبعون هذا النمط بعدم الأمان ويبحثون باستمرار عن الطمأنينة والتأكيد من الطرف الآخر.
يعانون من الخوف من الهجر وقد يفسرون غياب الاهتمام البسيط على أنه رفض، مما يؤدي إلى علاقات متوترة تتسم بالغيرة والتعلق الزائد.
3. التعلّق التجنبي (Avoidant / Dismissive Attachment):
أصحاب هذا النمط يميلون إلى الاستقلالية الشديدة، ويفضلون تجنب القرب العاطفي. يظهرون بمظهر اللامبالاة أو القوة، لكنهم في الواقع يواجهون صعوبة في الثقة بالآخرين وفي التعبير عن احتياجاتهم العاطفية.
4. التعلّق غير المنظّم أو القلق-التجنبي (Fearful-Avoidant / Disorganized Attachment):
هذا النمط هو الأكثر تعقيدًا، حيث يجمع بين الرغبة في القرب والخوف من التقرّب في الوقت نفسه.
غالبًا ما يرتبط بتجارب صادمة حدثت في الطفولة مثل الإهمال أو سوء المعاملة، مما يجعل الشخص يعاني من صراعات داخلية شديدة ويتصرف بسلوكيات متناقضة تجاه العلاقات.
تأثير أنماط التعلّق على العلاقات
تؤثر أنماط التعلّق بشكل كبير على طريقة تعامل الأفراد مع الشركاء في العلاقات العاطفية والاجتماعية.
وهنا نستعرض كيفية تأثير كل نوع من هذه الأنماط على العلاقات الاجتماعية/ العاطفية :
• التعلّق الآمن:
الأشخاص الذين يمتلكون هذا النوع من التعلّق ينشئون علاقات مستقرة وصحية.
هم قادرون على التعبير عن مشاعرهم بصدق واحترام، ولديهم القدرة على حل الصراعات بمرونة دون تصعيد.
كما يشعرون بالأمان في التوازن بين القرب والاستقلالية في العلاقات.
• التعلّق التجنّبي:
الأشخاص الذين يمتلكون هذا النمط يميلون إلى تجنب القرب العاطفي والابتعاد عن العلاقات الوثيقة. قد يعانون من صعوبة في إظهار مشاعرهم أو التحدث عن احتياجاتهم العاطفية، مما يؤدي إلى علاقات سطحية أو متباعدة.
يتجنبون المواجهات وقد تكون علاقاتهم غير متوازنة بسبب صعوبة التعلق.
• التعلّق القلق:
الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط غالبًا ما يشعرون بعدم الأمان في علاقاتهم، مما يدفعهم للبحث المستمر عن الطمأنينة والتأكيد من شريكهم.
في الصراعات، قد يتصرفون بشكل متطلب أو غير منطقي، ما يؤدي إلى تصعيد النزاعات.
علاقتهم قد تتسم بالتوتر العاطفي بسبب احتياجاتهم العاطفية غير الملباة.
أهمية فهم أنماط التعلّق
تُظهر الدراسات أن فهم نمط التعلّق يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات العاطفية والاجتماعية.
فهم هذا الجانب النفسي يساعد الأفراد في تعديل أنماط التعلّق غير الآمنة، مما يعزز قدرتهم على بناء علاقات صحية ومستقرة.
ويؤكد الخبراء أن العلاج النفسي يمكن أن يكون له دور كبير في معالجة مشكلات التعلّق، من خلال تزويد الأفراد بالأدوات اللازمة لتطوير علاقاتهم وتحقيق حياة عاطفية أكثر توازنًا وصحة.
وفي هذا الصدد أشار استشاري الطب النفسي الدكتور وليد السحيباني أن الإنسان في كثير من الأحيان يمرّ بأحد هذه الأنماط خلال فترة من فترات حياته.
والأصل أن تكون العلاقات الإنسانية مبنية على الود الاحترام والعطاء وتبادل المنفعة.
لكن في بعض الحالات نجد أن نمط التعلق الخاص بهم تحول إلى شكل مؤذي وهنا نجد أن نشأة الشخص وطفولته وطريقة تعامل والديه معه أثّرت بشكل كبير على طريقته في التعامل مع الآخرين.

وهنا يؤكد السحيباني على الوالدين أن يحرصوا على بناء أواصر الثقة مع الأبناء إضافة إلى الاستماع والاحتواء حتى تكون نفسياتهم سوية، بالتالي لا ينجرفون في تيارات أنماط التعلق الغير طبيعية في التعامل مع الآخرين.
وقال السحيباني : حتى يتجنب الشخص الوقوع في مثل هذه الأنماط في علاقاته ينبغي أن يكون على دراية بأنواع التعلق والتفريق بين الطبيعي والغير طبيعي، حتى يستطيع أن يتدارك نفسه ويعالج الخلل قبل تفاقمه خاصة في حال وصل التعلق بالآخرين في حياته إلى الحد الذي يؤلمه ولا يستطيع التعامل معه .