في مشهد يعكس تغيّر موازين القوى في العالم، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن تكون الرياض أولى محطاته في ولايته الثانية، ليؤكد من جديد أن المملكة العربية السعودية لم تعد مجرد دولة مؤثرة إقليميًا، بل باتت قوة عالمية يُحسب لها ألف حساب. زيارة ترمب لم تكن رمزية، بل حملت في طياتها رسائل سياسية واقتصادية واضحة، وشهدت توقيع اتفاقيات إستراتيجية تعزز مكانة المملكة كلاعب رئيسي في رسم مستقبل المنطقة.

السعودية اليوم ليست كما كانت، بل تحوّلت خلال سنوات قليلة إلى مركز قرار إقليمي ودولي، تقود ملفات الطاقة، والأمن، والاستثمار، والتقنية. ما تحقق منذ إطلاق رؤية 2030 بقيادة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وضع المملكة في مصاف الدول المتقدمة، من حيث تنويع الاقتصاد، وتعزيز الكفاءة الحكومية، وتحقيق قفزات تقنية غير مسبوقة في المنطقة.

زيارة ترمب جاءت في توقيت بالغ الأهمية. فقد أعلن خلالها رفع العقوبات عن سوريا، وهي خطوة عكست حجم تأثير المملكة في توجيه السياسات الدولية. فالسعودية قادت جهود التهدئة والمصالحة في المنطقة بحكمة واتزان، وأثبتت أنها صوت العقل والتوازن، في وقت تعاني فيه العديد من الدول من صراعات مزمنة وتشتت القرار.


الاتفاقيات الموقعة شملت التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، الصناعات الدفاعية، والتعليم والابتكار، في مؤشر على التحوّل العميق في الشراكة السعودية الأمريكية من مجرد تحالف تقليدي إلى شراكة تنموية وإستراتيجية متكاملة. ما يلفت النظر هو أن أمريكا اليوم ترى في السعودية شريكًا لا غنى عنه، ليس فقط لضمان استقرار المنطقة، بل أيضًا للمشاركة في قيادة مستقبل الاقتصاد والتقنية على مستوى عالمي.

رؤية 2030، التي كانت في بداياتها محل ترقب، أصبحت اليوم نموذجًا عالميًا للتخطيط الإستراتيجي والإنجاز السريع. من مشاريع نيوم والقدية، إلى التحولات الرقمية في القطاعين الصحي والتعليمي، ومن تمكين المرأة إلى تنمية القطاع غير النفطي، أثبتت المملكة أنها قادرة على صنع المعجزات خلال وقت قياسي.

الرسالة من زيارة ترمب كانت واضحة: من يريد التغيير في المنطقة، فليبدأ من الرياض. ومن يسعى لبناء تحالف رابح، فليضع يده في يد السعودية. أما من يظن أن مركز الثقل يمكن أن يكون في غيرها، فقد فاتته قراءة المشهد الجديد.

وفي ختام هذا المشهد السياسي والاقتصادي، تبقى المملكة شامخة، تقود التوازنات الدولية بثقة، وتفرض حضورها على طاولة الكبار.