في ليالي الوفاء التي تحفظها الذاكرة، وتتوقف عندها عجلة الزمن احترامًا لما تحمله من رمزية وصدق، شهدت منطقة نجران مؤخرًا تكريمًا استثنائيًا للأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، بمناسبة مرور عشر سنوات على توليه إمارة المنطقة، في مبادرة نظمّتها مؤسسة «قدوات» غير الربحية، إحدى النماذج المضيئة في ثقافة العرفان بالجميل وتكريم أصحاب الأثر.

ليس هذا الاحتفاء مجرد لحظة عابرة، بل هو تتويج لمسيرة قائد أدار عمله بمنهجية واعية، ورؤية استباقية، وروح إنسانية جعلته مقربًا إلى القلوب، ومثالًا يُحتذى في الحُكم الرشيد القائم على القرب من الناس، وتلمّس احتياجاتهم، والعمل على تحويل تطلعاتهم إلى واقع ملموس.

منذ أن تولّى مهام إمارة نجران، تميّز بأسلوب إداري يقوم على «الحوكمة بالمشاركة»، حيث أرسى قواعد التواصل المباشر مع المجتمع بمختلف مكوناته. لم تكن الاجتماعات مقتصرة على مكاتب مغلقة، بل نُقلت إلى المجالس العامة، والأسواق، ومواقع المشاريع، فأعاد بذلك الثقة بين المواطن والمسؤول، وكرّس ثقافة المتابعة الميدانية كأساس للعمل الإداري.


وقد تميّز بنموذج فريد في إدارة التنمية، إذ لم يقتصر على التعامل مع الملفات الإدارية من منظور تقليدي، بل دمج بين التخطيط الإستراتيجي والاستثمار في الفرص المتاحة بالمنطقة. ففي مجال الاقتصاد، حرص على استقطاب الاستثمارات النوعية في قطاعات التعدين والسياحة والزراعة، مستثمرًا العلاقات الواسعة والسمعة الطيبة التي يتمتع بها لتوجيه الأنظار إلى إمكانات نجران الواعدة.

أما على المستوى الاجتماعي، فقد تبنّى نهجًا إصلاحيًا متقدمًا، تمثل في مبادرته بإطلاق «وثيقة ضوابط العفو والإصلاح»، التي جاءت لمعالجة ظاهرة المغالاة في الديات والمتاجرة بالدماء، من خلال تقنين التعويضات ووضع حدود عادلة ومنضبطة لها، بما يعزز قيم العدل ويصون النسيج المجتمعي. وقد حققت هذه الوثيقة أثرًا عميقًا في المجتمع المحلي، إذ خفّفت من النزاعات، وعزّزت ثقافة التسامح، ودفعت بالجهود المجتمعية نحو البناء بدلًا من التنازع.

ولم تلبث هذه الوثيقة أن تحوّلت إلى نموذج وطني، حيث بادر عدد من إمارات المناطق الأخرى إلى تبني التجربة وتكييفها وفق احتياجات مجتمعاتها، كما انعكس أثرها في مداولات مجلس الشورى، حين ناقش أعضاء المجلس مسألة المبالغة في الديات، وتم الاستشهاد بها كممارسة ناجحة ساعدت في إثراء نقاش مشروعِ نظامٍ يُنظّم هذه القضية من منظور تشريعي شامل، يعزّز الأمن والعدالة في المجتمع.

وتجلّى البعد الإنساني في قيادته من خلال اهتمامه المتواصل بأسر الشهداء والمرابطين، حيث اعتاد زيارة الحدود والالتقاء بالجنود وتقديم الدعم المعنوي لهم، إلى جانب رعايته لأسرهم وتمكينهم اجتماعيًا وتعليميًا، في تجسيد عملي لقيم الوفاء والتلاحم الوطني.

وفي التعليم والثقافة، دعم مسيرة المؤسسات الأكاديمية والمراكز الفكرية، وشجّع على تفعيل دورها في صناعة واحتضان المبادرات الشبابية، ما جعل نجران بيئة حاضنة للعقول والطموحات، وحاضرة في المشهد الوطني بفعالياتها ونشاطها.

ويحسب له أيضًا دعمه المباشر للقطاع غير الربحي، حيث فتح المجال أمام الجمعيات الأهلية لتأدية دورها التنموي، وعمل على تمكينها وتسهيل أعمالها، إدراكًا لأهمية الشراكة بين الدولة والمجتمع في دفع عجلة التنمية المستدامة.

وقد شهدت منطقة نجران خلال السنوات الماضية مسيرة تنموية متسارعة، جاءت امتدادًا لعمل مؤسسي متكامل، قاده الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، وسانده فيه نائبه الأمير تركي بن هذلول بن عبدالعزيز، ضمن فريق عمل واحد يجمع بين وضوح الرؤية وفاعلية التنفيذ. وقد أسهم هذا التكامل في ترسيخ ملامح تنمية شاملة ومتوازنة، تنسجم مع توجيهات القيادة الرشيدة وتطلعات أبناء المنطقة نحو مستقبل مزدهر.

فمن خلال دعم ومتابعة القيادة الحكيمة، وتوجيهاتها المستمرة بأن تحظى جميع مناطق المملكة بفرص متساوية في التنمية والتطوير، كانت جهود الإمارة بمثابة الجسر الذي يربط بين الإرادة السياسية والمجتمعية، فتم تمكين الأجهزة التنفيذية، وتحفيز المشروعات النوعية، وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص والمجتمع المدني، بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة في مختلف أرجاء المنطقة.

وتؤمن النخب المجتمعية في المنطقة، كما سائر سكانها، أن نجران موعودة بمستقبل تنموي واعد، أسوةً بما تحقق في مناطق المملكة الأخرى، لا سيما في ظل التوجه الحكومي نحو تمكين المناطق وتنميتها بما يتسق مع رؤية المملكة 2030. وهو ما يجعل من نجران محطة متقدمة في خارطة الاستثمار الوطني، وبيئة خصبة لتجارب التنمية المتوازنة التي يقودها الأمير جلوي ونائبه بعزيمة ووضوح في الرؤية.

إن الحديث عن الأمير جلوي ليس سردًا لسيرة مسؤول ناجح، بل هو توثيق لمرحلة انتقالية في تاريخ منطقة نجران، تَشَكّلت فيها ملامح الوعي التنموي الحديث، وتوطدت فيها أواصر الثقة بين القيادة والمجتمع. وما هذا التكريم إلا ترجمة لعرفان الناس، ورسالة تقول: شكرًا أمير نجران على عقدٍ من البذل والعمل والرؤية الحكيمة.