علامة الكلمة الميتة، أنها مطوعة - تاريخيًا - لخدمة أغراض السحرة. فقد بدأت مسيرة اللغة المكتوبة، بتعاظم الحاجة إلى تبرير نظرية الفرد، في إقطاعيات الشرق القديم وتصدّى الكهنة لأداء هذه المهمة المستحيلة، قبل أن يعرفوا أنها مستحيلة حقًا. فخلال وقت قصير، كان من الواضح، أن مبدأ ما، فكرة غير طبيعية، لا يمكن تبريرها إلا بمنهج الأسطورة، وكان الكهنة - الذين صار اسمهم علماء، مشغولين بتوفير هذه الأسطورة تحريريًا، على ألواح من الطين المجفف.
أول لوح، صدر في سومر، عند مطلع الألف الثالثة قبل الميلاد، وحمل Kh تقريرًا مؤداه أن (الإله شمش الذي يعيش في العالم الآخر، قد نزل - ليلا إلى هذا العالم، ووهب مفاتيح الأقاليم الأربعة لجلجامش). ومن قاموس هذه القصة الليلية، ولدت لغة الأسطورة رسميًا.
وكان أهل سومر، قد خرجوا من الحياة المدنية دون أن يدروا، وذهبوا للحياة، في عالم آخر، وجديد وغائب، وخرافي، وغير معقول إلى ما لا نهاية.
هذا العالم الآخر، لم يكتشفه الكهنة في السماء، بل ابتدعوه - شفويًا - في لغة الناس على الأرض. إنهم لم يخلقوا عالمًا غائبًا، بل خلقوا لغة غائبة، مسخرة للحديث عن عالم أسطوري، لا يعرفه أحد من الأحياء على الأقل.
وبات العالم قابلًا للتفسير بلسان الأحياء فقط.
فكلمة عالم الغيب في لغة الإنسان الحي، تعني - حرفيًا - عالم المستقبل، لأن المستقبل هو العالم الوحيد الغائب، الذي يعرفه الناس الأحياء، ويوقنون بوجوده دون أن يروه، ويعلمون أنه آت، ويتحملون مسؤوليته شرعًا. وقد التزم الدين بهذا التفسير الحي، ورفض كل تفسير سواه، وجعله شريعة إلهية، وسماه مقدسًا لكي يميزه عن تفسير السحرة، ونجح بذلك في استعادة اللغة الغائبة في السماء، إلى واقع الناس على الأرض. إن العالم الذي قلبه الكهنة، يستعيد توازنه فجأة، في ثلاثة مواقع رئيسية:
في الموقع الأول، لم يعد عالم الغيب غائبًا عن عيون الناس، بل صار اسمه المستقبل، وصار بوسع الناس أن يعرفوا مستقبلهم سلفًا، بقليل من المنطق وعلم الحساب.
1981*
* كاتب وأكاديمي ليبي «1937 - 1994»