أرنولد هاوزر، فيلسوف وعالم اجتماع مجري، درس تاريخ الفن والأدب، في جامعات بودابست، وفيينا، وبرلين، وباريس، ومن ثم ذهب إلى إيطاليا لإجراء أبحاث حول تاريخ الفن، توجه بعدها إلى برلين لدراسة علم الاجتماع، ومن ثم إلى فيينا، وأخيراً استقر في لندن، ولكنه برغم دراساته الواسعة، مدين بتطوره الفكري لأستاذه الدكتور هنري بيرجسون، الذي دخل إلى حياته الفكرية أثناء مراحله الجامعية، وترك تأثيراً قوياً في أفكاره. وواصل هاوزر دراساته الجامعية وما فوق الجامعية، حتى حصل على الدكتوراه من جامعة بودابست، عن أطروحته العلمية «مشكلة التنظيم الجمالي». بعدها عمل محاضراً في تاريخ الفن، في كل من جامعة أوهايو، وجامعة برانديز البحثية بولاية ماساتشوستس، في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة ليدز في بريطانيا، وجامعة فيينا في النمسا.

نشر عدداً من الأطروحات والمؤلفات والدراسات البحثية، التي يأتي في مقدمتها كتابه الشهير «الفن والمجتمع عبر التاريخ»، الذي نشره عام 1951 ويعد كتاباً موسوعياً في تاريخ الفن، ومرجعاً اجتماعياً فنياً يركز بصفة خاصة على التاريخ الاجتماعي للفن، منذ عصر ما قبل التاريخ حتى عصر النهضة.

وللدكتور أرنولد هاوزر مؤلفات أخرى من بينها [فلسفة تاريخ الفن]، ولكن كتاب [الفن والمجتمع عبر التاريخ] يعد أعظم مؤلفاته حيث يقدم تحليلاً دقيقاً لتاريخ الفن وعلاقته بالمجتمعات الإنسانية. الكتاب يتألف من جزأين، تناول الجزء الأول بدايات الفن وتأثيره في الحضارات والمجتمعات القديمة. وتناول الجزء الثاني العصور الوسطى، والعصر الحديث، وتأثير النهضة الأوروبية - كالثورة الصناعية والحركات الفكرية- في تطور الفن.


وإن كان بعض الباحثين ينظرون إلى هاوزر بوصفه مؤرخاً للحضارات، من خلال تناوله الحضارات، والعصور التاريخية في كتابه، حيث يرى أن نقطة التحول الحقيقية، حدثت في القرن الـ18، التي بدأ معها عصر التنوير، معتبراً أن القرن الـ12 يمثل الخط الفاصل ما بين النصف الأول والثاني من العصور الوسطى، بين العصور الوسطى المتقدمة، وعصر النهضة، عندما ظهرت المدن الجديدة واكتسبت الطبقة الحديثة لأول مرة سماتها المميزة. مسلطاً الضوء على عمليات التحول المبكرة في حياة الشعوب الأوروبية التي قادت في ما بعد إلى عصر النهضة في مرحلة النضج، ومن ثم إلى العصر الحديث بالمعنى الاصطلاحي الدقيق، الذي بدوره انعكس على الفن.

إلا أنه برغم تأكيده على حالة النضج التي رافقت العصر الحديث، يحذر أرنولد هاوزر من الانخداع بالتطورات التقنية الهائلة، خاصة السرعة المخيفة للتطور التي قضت نهائياً على حالة السكونية في العالم، لا سيما إذا ما قورنت بمعدل التقدم في العهود السابقة من تاريخ الفن والثقافة.

فالتطور السريع للتكنولوجيا لم يؤدِ فقط إلى زيادة سرعة تغيير الأمزجة، بل إلى تغيير معايير الذوق الجمالي، والشغف الجنوني بالتجديد، والسعي إلى الجديد لمجرد كونه جديداً، مما أدى إلى تضاؤل الإحساس بالتعلق بالممتلكات المادية، وأدى كل ذلك إلى إعادة النظر في القيم الفلسفية والفنية، بحيث تساير الأذواق المتغيرة. ويرى هاوزر أن التكنولوجيا الحديثة أدت إلى قيام اتجاه ديناميكي لم يسبق له نظير في موقف الإنسان من الحياة بأسرها.

وكان هذا الإحساس الجديد بالسرعة والتغير، يعبر بسيادة اللحظة، وبأن كل ظاهرة هي حادثة عابرة لن تتكرر أبداً، وموجّهة يجرفها تيار الزمن، وأن الحياة عبارة عن عملية نمو وانحلال، فكل ما هو ثابت متماسك ينحل إلى تحولات ويتخذ طابعاً متجزئاً غير مكتمل.

فمعنى أولوية اللحظة سيطرة الحالة العابرة على السمات الدائمة للحياة، التي لا تلزم الإنسان بشيء ثابت، والاكتفاء بدور المشاهد، والذات المتلقية، التي تنتهي بالإنسان إلى الانعزال.

أرنولد هاوزر، انتقل في آخر حياته إلى المجر حيث أصبح عضواً فخرياً في أكاديمية العلوم، ورأى بعض الباحثين الاجتماعيين أن قراءاته تكتنفها نزعة ماركسية، إلا أنه في عام 1969 نفى علاقته بالماركسية، وأنه كرس معظم وقته للعلم، وكل ما توصل إليه في دراساته وأبحاثه أن مشاكل الفن هي في الأساس مشاكل اجتماعية.

تطرق أرنولد هاوزر إلى مسائل الذوق وآداب اللباقة في آخر كتابه قائلاً: «الاعتدال وضبط النفس فضيلتان أصيلتان، فالشخص النبيل، لا يفرط في الانفعال في كل موقف، متحفظ، هادئ، مهذب، قوي، ينظر إلى كل نزعة استعراضية على أنها خارج نطاق التهذيب، وإلى كل الانفعالات الغاضبة على أنها حالة مرضية لا تؤمن عقباها».