في ظل الصراعات والتجاذبات حول غزة، حيث دوي الحروب وأشلاء الضحايا، وتصاعد ألسنة اللهب، يختبئ صوت آخر، خافت ومخنوق، لكنه يحمل في طياته قصصًا مأساوية لا يمكن تجاهلها. أو اعتبارها قصصًا ومحتوى إعلاميًا، أو أحداثًا عابرة وحكايات يومية. هذا الصوت هو صوت الضحايا، المدنيين العالقين تحت وطأة النيران، الذين تذبل أصواتهم وسط ضجيج الاعتداء من الكيان الإسرائيلي، وتغيب حكاياتهم خلف سحب الدخان الملوث. هذا المشهد المتكرر أمامنا بحلقاته الدامية يجعلنا نطرح تساؤلا «كيف نجعل من هذا الصوت الجريح يسمع؟» أول من يجب أن يصغي لهذا الصوت هم «صناع القرار» ويجب على الإعلاميين أن يكتبوا عن الكوارث بحرفية عالية، وألا يكون الهدف نقل رواية ناقصة، فهم بمثابة قنوات لنقل هذه الأصوات، وأن يسلطوا الضوء على الوضع الإنساني المتردي، وأن يضعوا أرواح المدنيين وحمايتهم في صدارة أولوياتهم. فتجاهل هذا الصوت هو بمثابة صم آذان عن صرخات الألم والمعاناة التي تمزق أوصال أبناء غزة.

صوت أهل غزة وفلسطين لا بد أن يؤثر في الرأي العام العالمي، وأن يكون بمثابة قوة ضغط لإيقاف الهجمات المتكررة وقوافل الدم التي تسكب، وهذا الأمر ليس بصعوبة بمكان، فلقد عملت التقارير الإعلامية وقصص الفظائع والتكلفة الإنسانية في حرب فيتنام، مع انتشار صور وتقارير إخبارية وقصص شخصية عن فظائع الحرب، والتأثير المدمر في المدنيين الفيتناميين، على تشكيل رأي عام أمريكي بشكل كبير ضد الحرب، أسهم في إيقافها. وهذا يجعلنا نفكر أن الحرب ليست فقط على الأرض، فقد تجاوزت ساحات المعارك حدود الأرض المادية لتستقر في فضاءات الوعي الجمعي، حيث تُدار المعارك الحديثة ببراعة من خلال عدسات الإعلام وسلطة جماعات الضغط. وهنا، يبرز الدور المحوري للقنوات العربية والشخصيات السياسية والثقافية كقوى فاعلة في تشكيل هذا الوعي. وإبراز الصوت المخنوق لأهل غزة، فبإكمال الصورة بكل أبعادها أمام الجماهير الغربية، وغرس إدراك حقيقي لمعاناة الشعب الفلسطيني في الضمير الإسرائيلي وجماعات الضغط، تنطلق ديناميكية التحقق الذاتي عبر قنواتهم ومفكريهم ونخبهم الثقافية. وفي هذا السياق، يتجاوز دور الإعلامي العربي مجرد التغطية السطحية، ليصبح قوة تعبوية إستراتيجية، تسعى إلى اختراق حصون التحيز والوصول إلى العقول المستنيرة والمؤثرة في تلك المجتمعات. ويصبح من الضروري تضخيم أصواتهم العاقلة وتقديمها لجماهيرهم بلغتهم وثقافتهم. كذلك تتطلب القضية إيصال صوت معاناة الإنسان الفلسطيني وليس فقط السياسي، من خلال بناء جسور عبر ملتقيات ومؤتمرات نوعية في أروقة الجامعات العالمية، والمنظمات الدولية ذات النفوذ، ومراكز الدراسات الإستراتيجية، بهدف حشد تأييد جماهيري واسع النطاق. كما يستلزم البحث الدقيق عن الأصوات المؤثرة في الدوائر الاقتصادية والشركات العملاقة لاستخدام ثقلها في الضغط على هذا الكيان الغاصب.

بروز بعض التصدعات في بنية الرأي الداخلي لهذا الكيان يشكل مؤشرًا بالغ الأهمية على القوة الكامنة لتأثير الرأي العام العالمي في توجيه قراراته، ما يستدعي استثمار هذا الزخم من خلال عمل إستراتيجي متواصل. صوت من هم تحت النيران ليس مجرد صرخة استغاثة عابرة، بل شهادة حية ومؤلمة على بشاعة الحرب وعبثيتها المطلقة. إنه تذكير دائم بالثمن الباهظ الذي يدفعه الأبرياء في خضم الصراعات المدمرة.


الاستماع لهذا الصوت بإنصات عميق، والتحرك إعلاميًا بفعالية نحو الجماهير العالمية، بناءً على ما يحمله من نداءات إنسانية صادقة، هو أحد أقوى السبل لكبح جماح القرارات الطائشة التي تعبث بحياة الإنسان الفلسطيني وكرامته.