في الأنظمة المشاعية كما تتخيلها إلينور لا وجود لسلطةٍ مركزية تُراقب الناس، بل يتكفّل مستخدمو المورد بالمراقبةِ والتصحيح، والحمايةُ تأتي من قواعد غير مكتوبة، كأنَّها العُرف الذي يُوّلد الثقةَ بين المتبايعين، والعرف هنا قانونٌ توافقيٌّ ضمني يضبط السلوك، وفي المشترك القضائي عند عمر كان الرأيُ منظومة من المروءةِ والاجتهاد والتقدير، يُدار بالعرف الضمني المشترك، ويُحرس بالعدل الذي يتبناه المتقاضون في وجدانهم، وكأنه صار دستورًا للرقابة الاجتماعية الفقهية.
إذن مكمن التوازي العميق بين مجلس عمر ورؤية إلينور الاقتصادية أنهما يستبطنان أنَّ السلطةَ إن لم تُوزّع أفسدت المورد سواءً كان ماءً أو معنى، وكلاهما يُراهن على أنَّ الإنسانَ حين يُمنح الثقةَ يصبح مستعدًا لحمايةِ ما يملكه مع الآخرين، إلا أنَّ حياةَ الاثنين وصورةَ موتهما أثبتا أنَّ هذا الرهان كانَ على كف عفريت.
التفاتة:
الرأيُّ بيتٌ يفتح أبوابه للقادمين من خارج القبيلة، كأنَه العربيةَ وهي تستضيف المفردات المولَّدة لتحيي بها روحها القديمة، أو كأنَّه ذلك العربي الأندلسي حين صرخ: «ويلٌ لحرَّاس النَّص، ويل لهم، ثم ويل لهم»، لهذا كي لا يتحول اليقين إلى استبداد، قتلوا حراسَ النصوص وتركوا الطيور تُعيد كتابةَ الكتاب على هوامش لا تنتهي، فعدالةُ المعنى تسكن في قلبِ جوقةٍ تقف على خشبةِ المسرح وتُغني نشيد الاختلاف.