منافسة تطبيق «كيتا» الصيني لتطبيق «جاهز» في السوق السعودي عاد بذاكرتي للمعركة الطاحنة التي عايشتها في الصين ما بين تطبيق «أوبر» وتطبيق «ديدي»، عند وصولي للصين في 2014. كانت شركة «أوبر» الأمريكية للتو تدخل السوق الصينية، تحمل معها آمالًا كبيرة بالنجاح والتوسع في سوق مغرية، لكنها اضطرت إلى الانسحاب بعد عامين فقط، إثر خسائر تجاوزت مليار دولار سنويًا نتيجة منافسة شرسة مع تطبيق «ديدي» المحلي، الذي قدم خدمات أرخص وأكثر تكيفًا مع المستخدم الصيني. في النهاية، باعت أوبر عملياتها إلى ديدي مقابل حصة غير مسيطرة، وأعلنت خروجها رسميًا من السوق، مكتفية بالتوسع في أسواق لا تواجه فيها القيود ذاتها.

وقبل «أوبر»، واجهت «أبل» الأمريكية تحديات مماثلة جعلت حصتها تتراجع تدريجيًا أمام منافسين صينيين مثل هواوي وشاومي، رغم استثمارات ضخمة وبنية توزيع متطورة. لكن المتغير الأهم في المشهد هو أن الشركات الصينية، التي كانت تاريخيًا تقاتل داخل حدودها لحماية أسواقها، بدأت الآن تخوض معارك توسعية خارجية، وتنافس شركات محلية في أسواقها الوطنية، في مشهد يعد سابقة في تاريخ الشركات الصينية. المثال الأحدث والأقرب هو دخول تطبيق كيتا الصيني إلى السوق السعودية في سبتمبر 2024، حيث استحوذ خلال أشهر قليلة فقط على 40% من إجمالي عدد طلبات التوصيل في المملكة بحسب تحليلات المهتمين في مواقع التواصل الاجتماعي، في مواجهة مباشرة مع شركة جاهز السعودية، التي كانت تسيطر على 32% من الطلبات، أي نحو 91 مليون طلب من أصل 290 مليون طلب نفذتها المنصات خلال عام 2024. كيتا، المدعومة من شركة Meituan الصينية، تبنت أسلوب توسع سريع قائم على تخفيضات حادة، شحن مجاني، ودعم مالي يتجاوز مليار ريال سعودي، مع توظيف خوارزميات ذكية لتحليل السلوك الاستهلاكي، وتقنيات التنبؤ بالطلب وخدمة العملاء. الرئيس التنفيذي لجاهزصرح قبل عدة أشهر تصريحًا فيه ثقة بأنه لا يخشى منافسة وأنه مستعد لكل التحديات، ولكن التحدي الحقيقي هل سيصمد طويلًا؟ بخاصة أن التجارب التي خرجت فيها الشركات الصينية من نطاقها الجغرافي ونافست شركات محلية تثبت أنه سيكون حدثًا استثنائيًا لو صمدت جاهزًا في وجه شركة صينية وسأكون شخصيًا فخورًا به.

ففي الهند، استطاعت شركة شاومي الصينية التفوق على سامسونغ واحتلال المرتبة الأولى في سوق الهواتف الذكية. وفي أمريكا وأوروبا، تقدمت شركة مثل Temu بسرعة مذهلة لتنافس أمازون، بل وتصدرت تطبيقات التسوق من حيث عدد التنزيلات. أما TikTok، التطبيق الأشهر عالميًا، فقد تمكن من تحدي هيمنة تطبيقات أمريكية مثل YouTube وInstagram، بل وتفوق عليها بنسب الاستخدام والتفاعل في عدة دول. وحتى في قطاع السيارات، تشهد الأسواق الخليجية وأمريكا اللاتينية توسعًا ملحوظًا لشركات صينية مثل BYD وMG، التي بدأت تأخذ حصصًا سوقية من علامات راسخة مثل هيونداي وتويوتا، بخاصة في مجال السيارات الكهربائية.


هذا التحول في مسار الشركات الصينية من المحلية داخل السوق الصينية إلى المنافسة خارج أسواقها، التي نشاهدها الآن داخل السوق السعودية يعكس مرحلة جديدة من النضج الاقتصادي والتقني الصيني، مدعومة بتسهيلات حكومية قوية، ونموذج أعمال يعتمد على الابتكار والاستهداف الذكي. ما تواجهه جاهز اليوم في السعودية من منافسة كيتا ليس معركة استثنائية، بل جزء من نمط توسعي واسع تمارسه الشركات الصينية للتمدد في العالم.

أتمنى من شركة جاهز أن تسعى للأندماج مع شركة كيتا لتوحيد أهدافها في السوق السعودية. إذا كان هذا الخيار غير متاح فإني مؤمن بأن المنافسة لن تكون لصالحها وستواجه تحديات كبيرة لو استطاعات اجتيازها فستكون حققت نجاحًا استثنائيًا، حاولت عديد من الشركات في دول مختلفة أن تحققه، ولكن كان مصيرها الفشل. نافذة: التحول في مسار الشركات الصينية للمنافسة خارج أسواقها، التي نشاهدها داخل السوق السعودية يعكس مرحلة من النضج الاقتصادي والتقني، مدعومة بتسهيلات حكومية.