في خضم التحديات المرتبطة بالهجرة وسوق العمل، تقدم السعودية نموذجًا متقدمًا في تعليم وتدريب العمالة الوافدة، متبنية رؤية إستراتيجية تجعل من التعليم المستمر أداة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي.

وبينما تمثل العمالة الأجنبية أكثر من 76% من إجمالي القوى العاملة، تسعى المملكة إلى تحويل هذه النسبة من عبء محتمل إلى فرصة تنموية، مستفيدة من أدوات التعليم النظامي، والتدريب المهني، والتأهيل المرتبط باحتياجات السوق.

الواقع والتحدي


تُشكل العمالة الوافدة نحو 76.6% من القوى العاملة في المملكة، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء بنهاية الربع الثاني من 2024. وعلى الرغم من أن النسبة الأعلى من هذه العمالة تحمل مؤهلات المرحلة الثانوية، إلا أن فجوة المهارات لا تزال قائمة، ما دفع المملكة إلى إطلاق برامج ومبادرات تستهدف سد هذه الفجوة وتعزيز قابلية التوظيف والتأهيل.

أدوات التحول

شرعت المملكة في بناء منظومة تعليمية موجهة للكبار تشمل الوافدين، بدءًا من برامج محو الأمية ضمن جهود خفض معدل الأمية إلى أقل من 3.7%، ووصولًا إلى برامج التعليم المستمر التي أصبحت متاحة في بعض الجامعات مثل جامعة الملك سعود وبعض الجامعات السعودية، والتي توفر دورات للمقيمين على اللغة العربية والتأهيل المهني.

تدريب نصف الوافدين

على الجانب التطبيقي، يتمثل التحول الأبرز في ارتفاع نسبة الوافدين الذين تلقوا تدريبًا على الصحة والسلامة إلى 46.6%، وهي نسبة تعكس التزامًا واضحًا بجودة بيئة العمل.

عائدات الاستثمار

يُعد التدريب والاستثمار في المهارات عنصرًا جوهريًا في رفع كفاءة العمالة، وقد بدأت نتائجه تظهر في انخفاض الحوادث المهنية، وتحسن جودة الخدمات، وزيادة كفاءة الأداء. وفي ظل غياب بيانات دقيقة حول الأثر المباشر على الإنتاجية والترقيات، تؤكد وزارة الموارد البشرية أهمية هذه البرامج باعتبارها استثمارًا بعيد المدى في رأس المال البشري.

وقد أكدت الوزارة أن التدريب «حق وواجب»، وأنه أداة لضمان جودة الأداء وحفظ حقوق جميع أطراف سوق العمل.

من جانبهم، اشتكى عدد من أصحاب العمل من عدم تركيز بعض البرامج التدريبية على المهارات المطلوبة في القطاع الخاص، بحسب استطلاع سابق لغرفة الرياض.

التجربة الشرق أوسطية

عند المقارنة إقليميًا، تظهر السعودية في موقع متقدم، حيث توفر برامج تدريب مدعومة جزئيًا من الدولة، في حين تعتمد دول أخرى مثل الكويت على التمويل الذاتي، وتفضل الإمارات أسلوب الشراكة مع القطاع الخاص. وتُعد نسبة التدريب في السعودية، بحسب آخر بيانات السلامة المهنية، أعلى من مثيلاتها في الخليج ودول الشرق الأوسط، مما يعكس توجهها الحثيث نحو تعزيز الجاذبية الاقتصادية والاستقرار المهني.

توسيع الشراكات

يرى عدد من الخبراء في تنمية الموارد البشرية أنه يمكن تعزيز النموذج السعودي بتوسيع الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والجاليات المقيمة، إضافة إلى تطوير المنصات الرقمية مثل «دروب» لتوفير محتوى تدريبي بلغات متعددة، مثل الهندية، والأوردية، والفلبينية، بما يعزز الوصول والفاعلية. كما يمكن إعادة تصميم بعض البرامج التدريبية لتكون أكثر توافقًا مع احتياجات قطاعات السوق الواعدة مثل التقنية، والسياحة، والرعاية الصحية.

الهجرة إلى مورد إنتاجي

أثبتت السعودية أن تعليم الكبار وتدريب الوافدين ليس رفاهية، بل ضرورة تنموية واستثمار إستراتيجي في المستقبل. وبينما لا تزال بعض التحديات قائمة، فإن إرادة التطوير والالتزام برفع كفاءة رأس المال البشري تضع المملكة في صدارة الدول المتقدمة التي تسعى لتحويل الهجرة من عبء اقتصادي إلى مورد إنتاجي فعال.