تُظهر بيانات حديثة أن السعودية من بين أعلى دول العالم في استهلاك الفرد من المنتجات البلاستيكية، بمعدل يقدّر بنحو 40 كيلوجرامًا سنويًا للفرد، وهي كمية تفوق المتوسط العالمي. ويتركز الاستهلاك بشكل خاص في العبوات البلاستيكية وأكياس التسوق ومنتجات الاستخدام الواحد. ومن هنا يمكن فهم المبادرات الرائدة التي أطلقتها المملكة لمعالجة التحدي البيئي المتصاعد، وأبرزها مبادرة السعودية الخضراء والمبادرة الخضراء للشرق الأوسط، إلى جانب خطة طموحة لإعادة تدوير 95% من النفايات بحلول عام 2035، بما في ذلك النفايات البلاستيكية. وقد قدّرت قيمة هذه الإستراتيجية بنحو 120 مليار ريال سعودي، مع إمكانية خلق أكثر من 100 ألف وظيفة.

مشكلة متفاقمة

أكدت تقارير دولية وإقليمية متطابقة أن السعودية ودول شرق وجنوب شرق آسيا تشكّل نقاطًا محورية في معادلة الإنتاج والاستهلاك والتسرب البلاستيكي. وبينما تكشف توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن تسرب 8.4 ملايين طن من البلاستيك إلى البيئة في دول شرق آسيا وحدها عام 2022، تبرز السعودية كدولة ذات استهلاك مرتفع وخطط طموحة للتحوّل نحو الاقتصاد الدائري، في إطار رؤية المملكة 2030.


استخدام متزايد

في دول جنوب شرق وشرق آسيا، ارتفع استخدام البلاستيك بنحو 9 أضعاف منذ عام 1990 ليصل إلى 152 مليون طن متري في 2022، مع توقعات ببلوغه 280 مليون طن متري سنويًا بحلول 2050، حسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتمثل هذه المنطقة قرابة ثلث الاستهلاك العالمي، بينما تواجه السعودية تحديات مماثلة من حيث ارتفاع حجم الاستهلاك وضعف معدلات إعادة التدوير.

تسرب بيئي

رغم تفاوت البنية التحتية بين الدول، تشير الأبحاث إلى أن السعودية تواجه تسربًا غير مباشر للنفايات البلاستيكية عبر الأنهار والبحر. فقد كشفت دراسة علمية حديثة عن وجود جسيمات ميكروبلاستيكية بكثافة تتراوح بين 5.5 إلى 21.2 جزيء لكل كيلوجرام من الرمال في شواطئ الخفجي والجبيل والدمام. وأغلب هذه الجسيمات ألياف بلاستيكية دقيقة يقل طولها عن 2 ملم، ما يشير إلى تراكم تاريخي للنفايات البحرية.

تهديد شرق أوسطي

على مستوى الشرق الأوسط، أفاد البنك الدولي بأن سكان المنطقة يسهمون في تسرب أكثر من 6 كيلوجرام من البلاستيك للفرد سنوياً إلى المحيطات، ما يهدد البيئة البحرية والأمن الغذائي ويعرقل فرص بناء اقتصاد أزرق مستدام.

100 ألف وظيفة

أطلقت المملكة مبادرات رائدة لمعالجة التحدي البيئي المتصاعد، كما أطلقت في 2025 نظامًا ذكيًا لإدارة النفايات في مكة المكرمة خلال موسم الحج، يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لرصد امتلاء الحاويات وتخطيط جمع النفايات بكفاءة عالية، مما يقلل من التسرب العشوائي والانبعاثات.

وبالرغم من أن معدل إعادة التدوير الحالي للبلاستيك في المملكة يراوح بين 8 إلى 10% فقط، فإن هناك مساعي لرفعه إلى ما فوق 50% خلال العقد المقبل، من خلال استثمارات في البنية التحتية وتحديث اللوائح التنظيمية وتحفيز القطاع الخاص.

التحديات و القدرات

يشير تقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن التحول إلى اقتصاد دائري في منطقة آسيا قد يكلّف نحو 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بحلول 2050، مع تكلفة أعلى بكثير على الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى. ويُتوقع أن تكون المعادلة مشابهة في السعودية ودول الخليج، حيث ما تزال الهياكل التنظيمية والتقنية في طور التطوير، ويُتطلب تفعيل التعاون الإقليمي وإشراك المجتمعات بشكل أوسع.

وتكمن أبرز التحديات في محدودية الفصل من المصدر، واعتماد القطاع التجاري والصناعي على البلاستيك منخفض التكلفة، إلى جانب غياب سياسات ضريبية أو تشريعية تُلزم المنتجين بتحمل مسؤولية نفاياتهم.

فرصة إستراتيجية

بين الحاجة الملحة للحد من التلوث البلاستيكي والمكاسب الاقتصادية الممكنة من التدوير، تبدو السعودية أمام فرصة إستراتيجية لتحويل التحدي إلى فرصة تنموية. ويتطلب ذلك تعزيز الابتكار في إعادة التدوير، وتحسين البنية التحتية، وتفعيل الرقابة، وتوسيع نطاق التوعية المجتمعية.

ويؤكد خبراء البيئة أن التعاون الإقليمي مع دول الخليج ودول آسيا النامية في هذا المجال، قد يُسرّع الوصول إلى بيئة أكثر نظافة واقتصاد أكثر استدامة بحلول منتصف القرن.