الواقع يشير إلى أن الاستجابة لمتطلبات السلامة في بعض مجتمعاتنا لا تزال ضعيفة، وغالبًا ما تؤجل الصيانة الدورية، بحجة ضيق الوقت أو توفير التكاليف، دون إدراك أن التكلفة الحقيقية تُدفع لاحقًا، وربما تكون أرواحًا تُزهق أو ممتلكات تُدمر. فالحريق الذي ينشب بسبب التماس كهربائي كان من الممكن تلافيه بفحص بسيط، أو الانفجار الناتج عن تسرب غاز لم تُكتشفه أجهزة لم تتم صيانتها، كلها شواهد على ما يمكن أن يسببه الإهمال.
الصيانة الدورية والتدريب المستمر على استخدام أدوات السلامة ليسا رفاهية أو إجراءات تكميلية، بل هما خط الدفاع الأول أمام الحوادث المحتملة. من غير المقبول أن تُعامل أنظمة الإنذار، أو طفايات الحريق، أو مخارج الطوارئ على أنها ديكور لا أكثر، أو يُفترض أن الموظفين أو السكان يعرفون مسبقًا كيف يتصرفون في أوقات الخطر دون تدريب أو توعية.
ولعل ما يغيب عن الأذهان أحيانًا أن الإهمال في الأمور البسيطة قد يُحدث أثرًا كبيرًا يتجاوز حدود الواقعة نفسها، ليمس الصورة الذهنية العامة ويؤثر في السمعة المؤسسية أو الوطنية. فتساهل بسيط في إجراء احترازي قد يُنظر إليه كدليل على ضعف الجدية أو غياب المهنية، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مجتمعاتنا، وهي مرحلة لا تحتمل الأخطاء ولا الأعذار. فكل جزئية محسوبة، وكل خلل مرصود، والأنظار موجهة، ما يعني أن التهاون لم يعد خيارًا.
المسؤولية تقع على عاتق الجميع، من أفراد ومؤسسات وقطاعات حكومية. فزرع ثقافة السلامة يبدأ من البيت، ويمتد إلى المدرسة، ويُترجم في أماكن العمل والمرافق العامة. ولا يمكن أن تتحقق هذه الثقافة من دون إدراك جماعي بأن السلامة لا تأتي بالصدفة، بل هي نتيجة التزام، وتخطيط، ومتابعة.
في النهاية، تبقى الحكمة الخالدة: «السلامة غنيمة». هي غنيمة العمر، وغنيمة الصحة، وغنيمة الأمان. فلنجعلها أولوية لا تهاون فيها، لأن الثمن أحيانًا يكون أكبر من أن يُحتمل، والتقصير اليوم قد يكون عنوانًا للفشل غدًا.