قبل أسابيع من دخول شهر رمضان المبارك لفت انتباهي تصريح إعلامي لشركة السريع لصناعة السجاد وعلى وجه الخصوص صناعة سجاد المساجد بعزمها التبرع بفرش جميع المساجد في المملكة التي تحتاج إلى سجاد ليصلي عليها المسلمون، وهو تصريح عام ولم يخصص مدينة أو منطقة أو مساجد معينة. والحقيقة كانت مبادرة متميزة من أحد أبرز المصانع السعودية ليقدم نموذجاً مشرفاً لبرامج الخدمة الاجتماعية، رغم أن مسؤولية المساجد تابعة لوزارة الأوقاف. وبعد أسبوع من الإعلان اطلعت على مشروع شكوى يرغب بعض المتسترين في تجارة السجاد إقامتها على المصنع المتبرع بحجة أن سوق سجاد الصلاة في المساجد في شهر رمضان سيواجه انتكاسة وأن تجارتهم ومخزونهم سيخسر. والحقيقة تعجبتُ من جرأة راغبي تقديم الشكوى الذين لا يرحمون المسلمين حتى في صلاتهم، ويتحكمون في أسعار السجاد ويرفعونها أضعافا مضاعفة عن تكلفتها، ومنتجاتهم مستوردة يصعب على بعض القائمين على المساجد تغيير فرش مساجدهم كل فترة زمنية.
وعلى طريقة المبادرات المتميزة لرجال الأعمال ورجال الصناعة آمل أن تقتدي مصانع المكيفات الهوائية في المملكة بالإعلان عن مبادرة مماثلة بتكييف المساجد في القرى والمدن الصغيرة التي لا يوجد فيها مكيفات هوائية أو تحتاج إلى تغيير مكيفاتها لتقادمها لعدم صيانتها، وهي مساجد عديدة بالمملكة ويصلي بها سكان تلك المناطق من ذوي الدخل المحدود أو من طبقة الفقراء الذين لا مكان لهم سوى المساجد للصلاة والعبادة، وأطرح هذا الاقتراح على أشهر وأقدم المصانع المتخصصة للتكييف الهوائي وعلى رأسها مصانع الزامل ومصانع الجفالي ومصانع الواحة وغيرها، ولا سيما أن جميع المؤشرات الجوية والتصريحات الرسمية من الأجهزة المعنية بالأرصاد الجوية تتوقع بأن أجواء رمضان هذا العام هي الأشد حرارة منذ عشرات السنين، وشهر رمضان هو شهر العبادات والاعتكاف في المساجد، والمساجد في شهر رمضان هي الأكثر ارتيادا من المسلمين نهاراً وليلاً لصلاة التراويح.
إن رفع المعاناة عن المصلين من شدة الحرارة في هذا الشهر الكريم يدفعني إلى مناشدة رجال الأعمال بالقيام بدورهم الإنساني والاجتماعي تجاه إخوانهم المسلمين في جميع أشهر العام وفي شهر رمضان على وجه الخصوص. وإن كنت أعلم أن تجار المكيفات يجدون في أشهر الصيف ورمضان على وجه التحديد سوقاً رائجة لبضاعتهم؛ إلا أن الأجر في هذا الشهر الكريم أكبر وأعظم من أرباحهم المادية التي يتوقعونها.
أما الحديث عن بعض الظواهر الرمضانية السلبية فإن ملامح الاستعدادات لظاهرة الشحاذة قد بدأت، وهي ظاهرة وللأسف الشديد تعتبر من أكثر الظواهر وأبرزها انتشاراً، حيث عجزت الأجهزة المعنية عن معالجتها والقضاء عليها، وهي ظاهرة تقوم بها في الغالب مجموعات منظمة من غير السعوديين يرسمون خارطة كل مدينة ويعرفون نقاط الضعف والقوة في الشوارع والأحياء والمنازل ويتقاسمون الأحياء وإشارات المرور ويتم توزيع النساء منهم والأطفال والشيوخ، وتكثر حالات التمثيل والخداع، وتستخدم مختلف الوسائل لاستغلال رحمة وطيبة قلوب الصائمين. والحقيقة هي صورة غير لائقة ولا تمثل فقراء المملكة أصحاب الكرامة والحياء الذين لا يتسولون قوت يومهم أو حاجة عيشهم وهم تحت أنظار واهتمام ورعاية الأجهزة المعنية في وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية التي تقوم بدور متميز لخدمة الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة. وهذا يدفعني إلى طرح فكرة الإعلان المستمر عن نظام منع التسول وبكل اللغات، ووضع جزاءات على المتسولين، وهم كما أسلفت سابقاً أغلبهم من الوافدين غير الشرعيين، أي المقيمين إقامة غير نظامية، سواء كانوا من المتسللين أو الهاربين من كفلائهم أو المتخلفين من العمرة والحج، كما أنني أقترح تكثيف برامج الإعاشة الخيرية للصائمين من المتسولين في شهر رمضان إذا كان هدفهم من التسول هو تأمين قيمة الإفطار، وهو في الحقيقة ليس هدفهم الرئيسي من التسول، ويعتقد البعض من ضيوف الرحمن والزوار الأجانب أن المتسولين هم من الفقراء السعوديين، وهي معلومة خاطئة ولكنها لا تنفي وجود الفقراء السعوديين.
أما الظاهرة الثانية في شهر رمضان فهي ظاهرة تدني ساعات العمل وانخفاض إنتاجية الموظف والعامل بالقطاع العام والخاص في شهر رمضان المبارك، وهي حقيقة يلمسها الجميع، وعلى وجه الخصوص في قطاع الخدمات المقدمة للجمهور، وحسب تقدير إحدى دراسات قياس أداء الموظفين في شهر رمضان فإن متوسط الأداء الفعلي كإنجاز للموظف لا يتجاوز ساعتين وإن كان هو متواجداً على رأس العمل خلال ساعات الدوام الرسمي.
وأخيراً ظاهرة ارتفاع أسعار السلع الغذائية في بداية شهر رمضان وهي ظاهرة قديمة وغير مبررة، ولا ترتبط بارتفاع أي أسعار من الموردين الأساسيين داخلياً وخارجياً، وإنما هي ظاهرة ترتبط بارتفاع الطلب على سلع معينة يستغل بعض التجار ضعاف النفوس زيادة الطلب عليها فيرفعون الأسعار دون رقيب أو محاسب، مما دفع وزارة الداخلية الأسبوع الماضي إلى توجيه وزارة التجارة والصناعة بمتابعة الأسعار وضبطها والإبلاغ عن التجار الذين يستغلون الشهر برفع الأسعار. وهي مناسبة لأن أدعو الغرف التجارية بالقيام بمسؤوليتها الاجتماعية، من خلال توجيه منسوبيها بمراعاة ضبط الأسعار، والتعاون على المحافظة على مستويات أسعار المواد الغذائية عند مستوى متوسط الأسعار خلال العام، بصرف النظر عن زيادة الطلب عليها في شهر رمضان.
إن مبادرات الغرف التجارية في حث رجال الأعمال والتجار للأعمال الخيرية في هذا الشهر الكريم هي عادة تقوم بها الغرف مشكورة في كل عام، وأتمنى أن تكون قد استعدت لها هذا العام بأكثر من استعدادها لمواسم الصيف والإجازات.